“العجلة”مسرحية تفضح دوامة التسلط وأحلام الشباب المؤجلة


رم - فداء الحمزاوي - المسرح الحر

بمشهد افتتاحي يختزل عبثية العلاقة بين الأجيال، ضمن المسار الشبابي لمهرجان ليالي المسرح الحر ال20, يفتتح العرض المسرحي “العجلة”، حيث يسير رجل عجوز يقود عجلة متهالكة، وخلفه شاب يحمل جيتارًا. تتعطل العجلة ويسقط الاثنان، سقوط يشي بانكسار المسار قبل حتى أن يبدأ.

العجوز، متكئًا على عكازه، لا يسمع إلا ما يريد، خاصة حين يسمع الشاب يناديه بـ”العجوز”، فيرد متحديًا: “جدك العجوز!”، وكأنما يعيد إنتاج مشهد السلطة التي لا تعترف إلا بما يخدم بقائها.

العجلة تصبح هنا أكثر من مجرد وسيلة نقل، تتحول إلى استعارة لحال مجتمعات توقفت عند حدود ماضٍ متسلط، يرفض الاعتراف بحق الشباب في القيادة، ورغم محاولات الشاب، يرفض العجوز إصلاح العجلة، متذرعًا بالعجز والشيخوخة، حتى إذا ما استسلم الشاب وغنى، قرر العجوز التدخل، لكن الشاب يرد بتهكم، “أنا لا أسمع!”، حوار ساخر يفضح انتقائية السلطة وضعف موقفها أمام إرادة الحياة.

بين مناورات الصراع وصوت الجيتار، تبرز بصمة المخرج والممثل عثمان عاشور الذي التقط هذه المفارقات ليمنح العرض روحه الساخرة. إلى جانبه، دعم فني وتنفيذي جاء بإشراف عبدالله فراسين كمساعد مخرج، فيما حافظت إدارة الخشبة على تناغمها وسط العبث المسرحي بفضل إدارة محمد عساف، في مشهدية مدروسة داخل ديكور يلائم بساطته رمزية النص.

النص الذي صاغه عثمان الشطي لم يتوقف عند حدود الصراع بين جيلين، بل ذهب أبعد ليكشف هشاشة منطق الاستئثار بالسلطة، حين يسأل الشاب، “حتى في الرقص تبخلون علينا، كم أصبحتم أنانيين!”، ليأتيه الرد بالسباب، قبل أن يرمق العجوز واقعهما بمرارة، "في حالتنا، الحمار أفضل منا، على الأقل هو يستطيع مواصلة الطريق!”

حتى حين أُعطي الشاب فرصة القيادة، كانت الوجهة إلى الضياع، وهنا، تظهر حكمة النص وسينوغرافيته التي وضع تفاصيلها ماهر ميريان، فالعجلة لا تسير مستقيمة إلا بتوازن القوة والحكمة، لا بغلبة طرف على الآخر.

وفي مشهد تزداد فيه قتامة الرمزية، يُشعل العجوز شمعة يتلقاها الشاب بالسخرية، لا تضيء شيئًا، خافتة وبلا أثر!”، رسالة واضحة لفكر قديم يظن أنه لا يزال قادرًا على إضاءة الحاضر.

ومع حقيبةٍ متهالكة، تكشف عن أوسمة وصور وذكريات، تتبدد أوهام العجوز، ليبقى سؤال المستقبل معلقًا بين حروب وصراعات تصطنعها الأصوات والأنوار الحمراء التي أضفت بعدًا دراميًا صادمًا في قلب المشهد.

وفي لحظة ذروة عبثية، يعزف العجوز على جيتار لا يحمل سوى وتر واحد، لكنه يغني، حتى حين أوشك أن يتحرك إلى الأمام، أوقفه الشاب بوهم اختلقه خوفًا أو حذرًا، أو ربما انسجامًا مع دوامة العبث.

ومع نهاية العرض، يصلح الشاب العجلة، ليجد أن العجوز قد عاد لمقعد القيادة، وكأن شيئًا لم يتغير. يطالبه الشاب بحقه، ليصدمه الرد القاطع: “القيادة لا تتبع للاتفاقات!”، في دوامة تنتهي كما بدأت… بسقوط جديد للعجلة.

“العجلة” ليست مجرد مسرحية، بل صرخة فنية كتبها الواقع، صاغها وأخرجها فريق حمل على عاتقه طرح سؤال كبير، هل سيبقى الشباب دائمًا في المقعد الخلفي، يراقبون العجلة تتعطل وتُعاد قيادتها بالذهنية نفسها؟



عدد المشاهدات : (4461)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :