رم - بقلم الدكتورة ميس حياصات
يشكل التراث الأردني الركيزة الأساسية لبناء الهوية الوطنية، فهو ليس مجرد موروث من العادات والتقاليد، بل هو جوهر الانتماء وروح الأرض التي تنبض بتاريخ شعب متجذر عاش متصلاً بالطبيعة، وشكّل مع الزمن حكاية وطن لا يعرف الانكسار. ففي كل زاوية من زوايا الأردن، من قرى الشمال مرورًا بالبوادي إلى مدن الجنوب، ينبثق التراث بألوانه ومعانيه ليؤكد أن الهوية الوطنية الأردنية ليست شعارًا، بل تجربة عميقة تعيش في وجدان الناس.
التراث هو الرابط الأصيل بين الماضي والحاضر، هو الجسر الذي تعبره الأجيال لتشعر بالانتماء والاعتزاز فيحمل في طياته رموزًا ودلالات تشكل الوعي الجمعي للأردنيين، وتغرس فيهم قيمًا أصيلة مثل الصبر، والكرم، والشجاعة، والوفاء، وغيرها من القيم الحميدة التي تربينا عليها وغرسوها فينا آباءنا وأجدادنا؛فهذا التراث لا يمكن فصله عن الهوية الوطنية، فهو نسيج حيّ يعيش في تفاصيل الحياة اليومية.
الهوية الوطنية الأردنية، إذًا، ليست فكرة نظرية تُدرّس في الكتب، بل ممارسة يومية تتجلى في أشياء بسيطة وعميقة في آنٍ معًا في اللباس التقليدي المطرّز الذي يحمل رموز المناطق والقبائل والعشائر، في الأكلات الشعبية التي تعكس كرم الضيافة، في الأغاني والدبكات التي توحّد القلوب وتروي قصص الأجداد فالتراث ليس مجرّد عادات، بل منظومة قيم تُبقي الأردنيين متماسكين رغم التحديات.
ولأن هذه الهوية متجذرة في أرضٍ صلبة، فإنها تنهل من جغرافيا الوطن فالصحراء والجبال الأردنية لم تكن يومًا عوائق، بل كانت مدرسة لتعليم الكفاح والاعتماد على الذات وقد كوّنت هذه الجغرافيا روحًا وطنية فريدة، تحترم الأرض وتؤمن بالتعاون والتكافل الاجتماعي.
وفي ظل عصر تتسارع فيه وتيرة الحداثة والعولمة، يصبح التراث هو الميناء الآمن الذي يعود إليه الأردنيون ليتشبثوا بهويتهم وخصوصيتهم فهو الحكاية التي تُروى في المجالس، والأغنية التي تُغنى في الأعراس، والرقصة التي تعبّر عن الفرح والانتماء، واللغة التي ما زالت تحافظ على خصوصيتها رغم كل التغيرات.
ومن هنا، فإن الاعتزاز بالتراث والحفاظ عليه ليس مجرد واجب ثقافي، بل هو فعل وطني خالص، يعكس حرص الأردنيين على هويتهم وماضيهم ومستقبلهم. ويجب أن نكون على وعي بأن هناك محاولات مستمرة لتحريف هذا التاريخ العريق، وسرقة التراث ونسبه إلى جهات لا تمت له بصلة. لذا، فإن التصدي لمثل هذه المحاولات واجب جماعي، يتطلب وعيًا ويقظة من كل أردني، للحفاظ على صدق روايتنا التاريخية وكرامة موروثنا الوطني.
الحفاظ على التراث لا يعني تجميده، بل إحياؤه في تفاصيل حياتنا في حديثنا اليومي، في طقوسنا، وفي طريقتنا في احترام الآخرين فالتراث الأردني هو روح الوطن، وهو الأساس الذي تقوم عليه هوية وطنية قوية لا تقبل الذوبان أو التشويه.
وفي الختام، فإن الهوية الوطنية الحقيقية تُبنى على معرفة التراث والاعتزاز به لأن من ينسى تراثه يفقد جذوره، ومن فقد جذوره أصبح كالغصن اليابس الذي لا يقوى على الصمود أمام عواصف الزمان.