في السياسة، هناك من يصعدون في ضوء الكلام، وهناك من يصمتون حتى يُصبح حضورهم جزءاً من الجدران.
رجائي المعشر من الفئة الثانية، رجل إذا جلس أصبح في المكان معنى إضافي للرصانة، والحكمة والنباهة والذكاء، وإذا مرّ، أضاف إلى اللحظة وزنًا لا يرى لكنه ثابت.
هو ابن صالح المعشر، لا بالاسم فقط، بل في تقاليد الرجولة المهندسة بالانتماء وحب الوطن والعطاء، وكأنه نقش على جدران السلط الصفراء، ذات العبق الأصيل في شوارعها القديمة.
العائلة التي لم تتباهى يوماً، لكنها بنت أركاناً من اقتصاد البلاد، وظلّت حاضرة في مفاصل الدولة، دون أن تتورّط في وهم المظاهر.
ولد رجائي في عمّان، لكنه لم يغادر السلط يوماً، لم تكن السلط مجرد مدينة، بل مرآته التي ينظر فيها ليُراجع نفسه، فأصبح مؤثراً وقائداً في مدينة تُشبهه، صامدة دون ضجيج، قديمة دون ترهّل، ومحتشمة رغم ما فيها من المجد.
في السلط، لا يُعرّف الناس رجائي بلقبه، بل باسمه الأول، "أبو صالح" ذلك العطاء الرباني الذي رحل مبكراً وجعل رجائي يحبس الأنفاس خلال خطاباته... ابن المدينة التي تحب رجالاتها أن يكونوا ثابتين، حتى لو تغيّر العالم من حولهم.
في المناصب، لم يتكلّم كثيراً، لا تسجّل له مقابلات عاصفة، ولا صور استعراضية، لكنه كان هناك، حيث يُطلب الاتزان.
نائبًا لرئيس الوزراء لحكومتي الرفاعي والرزاز وتواجد في حكومة الرفاعي الأب، عضواً دائماً في مجلس الأعيان ورئيس مفضل للجنة المالية، رأساً لبنك الأعمال ثم البنك الأهلي، وواحداً من أولئك الذين لا يُلمعون المناصب، بل يعيدون لها هيبتها.
رغم عمقه الاقتصادي، لم يكن من أولئك الذين باعوا الدولة باسم السوق، بل ممن أدركوا أن "الدولة إذا غابت، تحوّلت السوق إلى غابة".
رجل أعمال بارز ومنتقد قوي للإصلاحيين الليبراليين ومؤيد لدور أوسع للدولة في الاقتصاد كما وصفته الصحافة العالمية، محافظ سياسي ومصرفي مؤثر ومن بين أنجح رجال الأعمال في الأردن، من الكيماويات عام 1981 إلى لشركة الأهلية للاستثمارات العامة التي أصبح اسمها لاحقا الشركة الأهلية للاستثمارات المالية، وتحولت إلى بنك الأعمال عام (1990) ولاحقا اندمج هذا البنك مع البنك الأهلي في بداية عام 1997.
رجل لا تُثيره المعارك، ولا تُغريه الإصطفافات، يعرف حدوده تماماً، ويدافع عنها بهدوء لا يحتاج إلى سلاح، هو من أولئك الذين يحكمون دون أن يستعرضوا، ويُفكّرون دون أن يُحاضروا.
حتى حين اختلف معه البعض، لم يسقط في فخ العداء، بل ظلّ خصماً يُحترم… أو حَكماً لا يُكسر، وخصومه أصبحوا في غياهب النسيان.
رجائي المعشر ليس من رجالات العاطفة السياسية، بل من رجال "المزاج الأردني" الصافي، حيث أن يكون للكرسي هيبة، وللكلمة حساب، وللظلّ حدود لا يتجاوزها الضوء.
لا تراه كثيراً، لكن غيابه ملحوظ أكثر من حضور ألفِ سياسي على الهواء، هو رجل المرحلة التي لا تملك ترف الخطأ، وصاحب طبقة من الصمت النظيف… الذي لا يُشترى ولا يُقلَّد.
وإن كان لكل مدينة رجل، فالسلط لها رجلٌ يعرف متى يتكلّم، ومتى تكتفي المدينة بأن يكون هو الصدى.
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |