رم - المهندس عادل بصبوص
للرفاق مكانة أثيرة في القلب والوجدان ... خاصة أولئك الذي يرافقونا في فترات مفصلية من أعمارنا ... هم من البشر في أغلب الأحيان ... وقد يكونون من غير البشر أيضاً ... لا تستغربوا أصدقائي الأعزاء ... فرفاقنا من غير البشر مخلصون تماماً يعطون من غير منة لا ينتظرون مقابلاً ... لا يغدرون ولا ينقلبون على أعقابهم عندما تتغير الظروف والأحوال .... من هؤلاء وفي مقدمتهم آلتي الحاسبة Casio fx 102 التي رافقتني منذ العام 1976 قبل حوالي نصف قرن من الزمان ...
كان على أن أشتري آلة حاسبة جديدة وحديثة عقب قبولي في كلية الهندسة والتكنولوجيا في الجامعة الأردنية .... حضرت من وادي السير حيث كنت أسكن ... مررت بالمحلات التي تبيع الآلات الحاسبة واشتريت واحدة اعتقدت أنها الأحدث والأفضل في ذلك الوقت ... من محل يقع في نهاية شارع الأمير محمد عند المفرق المؤدي إلى شارع بسمان ... لم أعد أذكر الثمن الذي دفعته حينها ولكنه ثمن باهظ نسبياً في ذلك الوقت ... لأن الآلة كانت من صنع اليابان ومن موديل Casio fx 101 ....
في اليوم التالي تماماً وصلتني آلة حاسبة من نفس النوع لكنها أحدث قليلاً حيث الموديل فهي 102 بدلاً من 101 هدية من أخي إبراهيم الذي كان يعمل في ليبيا في ذلك الوقت .... لأقوم مباشرة بالذهاب إلى عمان لإرجاع الآلة التي كنت قد اشتريتها بالأمس متنازلاً عن دينار واحد من القيمة التي دفعتها ....
كنت فرحاً جداً بالآلة الحاسبة أتفقد وأستكشف العمليات العلمية المتعددة التي كانت تقوم بها بلمح البصر .... أقضي الكثير من الوقت معها ... في ممارسة لا تختلف كثيراً عما نقوم به اليوم مع أجهزتنا الخلوية.... كنت أتعامل معها كرفيق أعرفه منذ سنين ... رفيق ذكي لا يخذلني ولا يخطئ في الحساب ....
رافقتني الآلة طوال السنوات الخمس التي قضيتها في الجامعة وسنوات عديدة بعدها قبل أن أحيلها على التقاعد بسبب التقادم وظهور بدائل أكثر تطوراً ...
كنت حريصاً وما زلت على العناية برفيقتي السابقة ووضعها في المكان المناسب والآمن والذي لا تصل إليه أيادي الجهات التفتيشية والرقابية في المنزل والتي تحرص على التخلص من الأشياء التي تتقاعد وينتهي استعمالها بداعي ... هذه الجهات التي "لن أسامحها" أبداً ما حييت فقد اكتشفت بعد فوات الأوان أنها قد قامت بالتخلص من جهاز "المسجل مع الراديو" ماركة شارب Double deck المزود بسماعتين منفصلتين والذي يستوعب شريطي تسجيل كاسيت في نفس الوقت والذي كنت قد اشتريته أوائل الثمانينات عقب استلامي العمل والوظيفة بعد التخرج بمبلغ 82 دينار من محلات الأجهزة الكهربائية شارع سقف السيل ... كنت وقتها وما زلت مغرماً بالموسيقى والأغاني واحتفظ بعشرات أشرطة التسجيل ....
في لحظة واحدة وفي غفلة مني تم اتخاذ القرار بالتخلص من المسجل الغالي والثمين وأشرطة التسجيل كذلك... كانت صدمة كبيرة لي عندما علمت بخسارة رفيقي الذي كنت ألجأ إليه عندما كنت اشتاق لسماع المقدمة الموسيقية لقصيدة "أشواق" لرياض السنباطي أو أغاني فيروز وأم كلثوم وفرقة Bony M وديميس روسوس...
لن أسمح بأن تطال هذه المجزرة آلتي الحاسبة والعديد من المقتنيات الجميلة الأخرى ومنها صور وقصاصات ورق وأجزاء من صحف وكتب ومجلات قديمة .... هي جزء من ذاكرتي وأيامي الجميلة ... سأبقى احتفظ بها ما حييت ولن أسمح بضياعها ....
أعلم علم اليقين بأن كافة المقتنيات التي احتفظ بها لن تلبث خلفي طويلاً بعد مغادرة هذا العالم فهي ليست أكثر من "خردة" قديمة بالنسبة للآخرين ...
ترى لماذا نصر - أنا وربما العديد من أمثالي- على الاحتفاظ بهذه الأشياء ... لماذا نشعر بالراحة والسعادة بوجودها .... هل هو الحنين لأيام وذكريات مضت ولن تعود... هل هي ظاهرة غير طبيعية تستوجب المعالجة أم ماذا .....
مهما كانت الإجابات ومهما كانت التفاسير سأبقى احتفظ بما تبقى من أشيائي القديمة حتى آخر العمر ....
أنتم ماذا تقولون ومن منكم لديه هذه الظاهرة "المرضية" التي لا أسعى للشفاء منها أبداً ....