تعيين رؤساء البلديات الكبرى: بين مقتضيات التعيين ومتطلبات الديمقراطية


رم - المحامي الدكتور هاشم احمد بلص

تعد البلديات الكبرى أحد أهم ركائز التنظيم الإداري المحلي في الدولة، لما تلعبه من دور محوري في إدارة الشأن المحلي وتحقيق التنمية المستدامة، ويُثير موضوع تعيين رؤساء البلديات الكبرى جدلًا واسعًا بين من يرى ضرورة اختيارهم بالانتخاب ضمانًا للشرعية الشعبية، ومن يدافع عن التعيين المباشر كوسيلة لضمان الانسجام بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، لا سيما في المدن الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي.

نجد بان الإطار القانوني المنظم لتعيين رؤساء البلديات الكبرى يختلف من بلد إلى آخر بحسب النظام الدستوري والإداري المعتمد، ففي بعض الدول التي تعتمد نظامًا لامركزيًا موسعًا، يتم انتخاب رؤساء البلديات من طرف المجالس البلدية أو بشكل مباشر من قبل المواطنين. أما في الدول التي تتبع نمطًا إداريًا مركزيًا، فإن تعيين رؤساء البلديات الكبرى يتم بموجب قرار من السلطة التنفيذية العليا، غالبًا رئيس الدولة أو وزير الداخلية، وذلك استنادًا إلى نصوص قانونية صريحة، على سبيل المثال، تنص بعض القوانين البلدية على أن البلديات التي يفوق عدد سكانها عتبة معينة (كالعواصم أو المدن الاقتصادية الكبرى) لا يُنتخب رؤساؤها، بل يُعينون بموجب مرسوم حكومي، لما لتلك المدن من أهمية وطنية.

في الأردن تُشكّل البلديات أحد المكونات الأساسية للإدارة المحلية، وقد شهدت خلال العقود الماضية تطورات كبيرة من حيث التنظيم والصلاحيات. ومع تزايد الاهتمام بتعزيز اللامركزية، عاد الجدل مجددًا حول كيفية اختيار رؤساء البلديات الكبرى، وخاصة أمانة عمّان الكبرى: هل الأفضل أن يُعيّنوا بقرار حكومي كما هو الحال حاليًا، أم يُنتخبوا مباشرة من الشعب تعزيزًا للديمقراطية المحلية؟

ويمكن تلخيص الأسباب التي يستند إليها أنصار التعيين الى ضمان الكفاءة والخبرة حيث ترى السلطة المركزية أن اختيار رئيس بلدية كبرى يجب أن يخضع لمعايير تقنية ومهنية عالية، لا مجرد المنافسة الانتخابية، وإن المدن الكبرى تكون أكثر عرضة للتحديات الأمنية والاجتماعية، مما يستدعي وجود شخصية متوازنة وذات خبرة إدارية وتحقيق الانسجام في السياسات العمومية حيث يسهل التنسيق بين الدولة والبلدية عندما يكون الرئيس معينًا ويخضع لتوجيهات مركزية واضحة.

ونرى بان الانتقادات الموجهة لنظام التعيين رغم المبررات المذكورة، إذ يُنظر إلى التعيين على أنه تهميش لإرادة الناخبين وتقليص لمبدأ التمثيل المحلي (انتقاص الديمقراطية المحلية)، وضعف المساءلة حيث أن الرئيس المعين لا يخضع لرقابة المواطنين، مما قد يؤدي إلى ضعف الشفافية والمحاسبة،و في بعض الأحيان، يتم تعيين رؤساء البلديات الكبرى بناءً على الولاء السياسي وليس الكفاءة (إمكانية التوظيف السياسي).

ومن خلال دراستي لهذا الموضوع وللتوفيق بين منطق التعيين ومتطلبات الديمقراطية (الانتخاب) وهو خيار استراتيجي يجب أن يُدرس بعناية، ومع الاتجاه الوطني نحو تحديث المنظومة السياسية وتعزيز الحكم المحلي، سيكون من المفيد إعادة النظر في آلية اختيار رؤساء البلديات الكبرى بما يوازن بين الفعالية الإدارية والمشروعية الديمقراطية، بما يليق بمكانة الأردن وطموحات شعبه، واقترح فرض شروط قانونية دقيقة (كالمؤهلات العلمية والخبرة المهنية)،في حال اللجوء الى الانتخاب لموقع رئيس البلدية لانها تعتبر مسألة حساسة تتقاطع فيها أبعاد قانونية وسياسية وتنموية، لضمان التوازن بين فعالية الأداء الإداري وشرعية التمثيل الشعبي.



عدد المشاهدات : (4864)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :