رم - أكثر الأمور غرابة في الأردن ، هي توصيفات كسر الحوض لرجل ما أو سيدة ما ..فحين تسأل أحدهم عن سبب إصابة والده أو والدته بكسر في الحوض تكون الإجابة فورا وبتلقائية : (زحلق في الحمام) ...يبدو أن استعمال الحمامات لدينا صار لقضاء الحاجة والوضوء والإستحمام والتسبب بكسر في الحوض .
أمس سألت صديقا عن سبب إدخال والده إلى المستشفى ، فأخبرني أنه أصيب بكسر في الحوض ، وأنا تلقائيا تدخلت وقلت : (زحلق في الحمام ؟ ) ...فأجابني بنعم ، والحقيقة هي أنه تعرض لحادث سير ، ولكن مع الزمن تشكل لدينا أنطباعا بأن كسور الحوض مرتبطة (بالزحلقة في الحمام) ..
هنتنغتون كان يقول : (الإنطباع أحيانا أقوى من الحقيقة) ...وقصة الزحلقة في الحمام أصبحت انطباعا لدى الناس ، وبالتالي ضاعت الحقائق ...
أنا رهين الإنطباع ، فما تكون عني في إذهان الناس هو : (بشطح ) وهذه الكلمة استعملت كثيرا بحقي .
في الأردن يوجد ضحايا كثر لمسألة (الزحلقة في الحمام) ، بمعنى اخر يوجد ضحايا كثر لمسألة الإنطباع ، وغياب الحقيقة ...وحين تسأل عن أسباب التهميش والإقصاء عن أسباب عزل عقول وكفاءات ، واستبدالها بمن ترهلوا وأنتجوا أطنانا من الكذب ، تكتشف أن المؤسسات الرسمية كانت ضحية للإنطباع الذي تشكل عن فلان أو علان ولم تكن ..تقتفي الحقيقة .
جعفر حسان هو من ضحايا (الزحلقة في الحمام) ...من ضحايا الإنطباع ، فما تشكل عنه أنه : ديجتال ، لايؤمن بالهوية ، عاش في أمريكا ، ليبرالي غربي ..الخ من الأوصاف ، لكن حين تجلس مع الرجل تكتشف أنه بسيط ، غير موغل في الأناقة والماركات ، ويحفظ البلد عن ظهر قلب ، هاديء ..ويقيم وزنا للكل ، يأتي إلى مكتبه في الساعة السابعة صباحا ويغادر مع المغرب...
قد يعتبر البعض هذا الأمر تقربا للرئيس أو مدحا ، أنا لا أمدح أحدا أبدا ...ولكني من الذين تهشم الحوض لديهم ولم يعد بإمكاني الوقوف لكثرة ما (تزحلقت في الحمام) ...
أكتب لكم هذا المقال لأني اليوم فعلا : (تزحلقت في الحمام) كانت المرة الأولى التي يحدث معي هذا الأمر ، وسقطت على ظهري متألما ...مازال الألم يجتاح كل جوارحي ...لقد صرخت ابنتي صباحا بأعلى صوتها : (باباااااااا) ...خرجت من تحت الماء مثل ذئب جريح يريد أن يفتك بالقدر والأيام ، فصوتها جعل دمي مثل البارود ... واكتشفت أنها خافت من (عنكبوت ) صغير جدا تسلل من خارج الشباك إلى يدها ....لحظة أن سمعت الصوت واندفعت ، تزحلقت في وسط الحمام كسر قلبي لحظتها ، ولم يكسر عظمي ....
في هذا الوطن ، نحن ضحايا للإنطباع الكاذب الذي شكله البعض عنا ...لم يتبق في جسمي عظم لم يكسر لكثرة ما وضعوا الصابون على أرضية الحمام ، وها نحن (نتزحلق) ...
عبدالهادي راجي