"أبو عصام" كما لم يغِب


رم -

خاص

رجل بحجم وطن، وصوت يشبه حجارة الصريح العتيقة، عبد الرؤوف الروابدة لم يكن يومًا مجرد اسم في السياسة الأردنية، بل ملامح كاملة لمرحلة... ولنهج.
ولد في إربد عام 1939، وتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت صيدليًا، لكن الأقدار أخذته إلى وصفاتٍ من نوعٍ آخر، كانت السياسة قاعدتها، واللغة القاسية غلافها، صعد من مجالس البلديات إلى البرلمان، ومن النيابة إلى رئاسة الوزراء، مرورًا بحقائب وزارية متعددة، فبقي الحاضر دائمًا في مشهدٍ يتغير فيه الكثير.
عبد الرؤوف الروابدة لا يُحكى عنه دون ذكر نبرة صوته، كان إذا تحدث في البرلمان، سكت الآخرون، ليس إعجابًا دائمًا، بل أحيانًا خشية أن تطالهم حدّة كلماته.
هو من أولئك الذين لا يُجيدون التجميل، يقدّم رأيه كما هو: خشناً، صريحاً، بلا تردد. البعض رآه "صداميًا"، وآخرون رأوه "أمينًا على مواقفه"، وبين هذا وذاك ظلّ "أبو عصام" كما هو... لا يغيّر جلده.
بوصلة لا تميل
الروابدة لم يكن رجلاً رمادياً في لحظة واحدة من مسيرته، حين تولى رئاسة الوزراء عام 1999، كان أول رئيس حكومة في عهد الملك عبدالله الثاني، قاد الحكومة في فترة انتقالية دقيقة، وكان صلبًا في ملفاتٍ أراد الكثيرون التعامل معها برشاقة سياسية، لكنه اختار المواجهة — لا الشعبوية.
يُعرف بموقفه الحازم من مشروع التوطين والوطن البديل، وتمسّكه بالهوية الوطنية الأردنية، ما وضعه في صلب جدالات كبرى حول المواطنة والسياسة والديموغرافيا، هذا الخط، رغم ما أثاره من جدل، منحه احترام شريحة واسعة ترى فيه صوتًا للثوابت، حتى لو اختلفت معه في الوسائل.
رجل الثقة و"العبارة الموزونة"
رغم حدّته الظاهرة، كان الروابدة ابن المؤسسة، وصاحب علاقة متينة مع القصر، لم يكن يومًا خارج التفاهم مع رأس الدولة، ولم يكن مجاملاً ولا معارضاً، كان يملك لغة سياسية ثقيلة، تنسجم مع "حكمة الأجيال الأولى"، تلك التي تُراعي هيبة الدولة ولا تتخلى عن شخصيتها.
في كثير من المناسبات، وُصف بأنه "رجل النظام"، لكنه بقي يرى نفسه "رجل الدولة"، وهي فرق جوهري في فهمه لدوره وحدوده.
شدّ لا ينكر وزناً
علاقته مع التيارات الأخرى خاصة الإسلامية، اتسمت بالندية، لم يكن مرنًا في احتوائها، لكنه كان صريحًا في مخاطبتها، يرى السياسة ساحة موقف لا مجاملة، لذلك اختلف مع المعارضة مرارًا، لكنه لم يسعَ لعزلها، بل كان يمارس معها سياسة المكاشفة القاسية.

انتقد بشدة من يضع قدمًا في الدولة وأخرى في الشارع، ورفض ازدواجية الخطاب. وفي الوقت الذي كان فيه بعض المسؤولين يبحثون عن حلول وسط، اختار الروابدة أن يكون على طرفٍ واضح من الطاولة... حتى لو جلس وحده.
في زمن اختلطت فيه الكلمات، وباتت المجاملة سياسة، تراجع صوته قليلًا، لكنه لم يصمت، يرى نفسه حارسًا لذاكرة الدولة، ومرآةً لمرحلة لم تعد حاضرة، لكنها لم تذهب بعد.
"أبو عصام" لم يكن نجمًا إعلاميًا، بل نجم المجالس المغلقة. هو الرجل الذي يقول "لا" في زمن "النسخ واللصق"، والوحيد الذي يمكن أن يُنهي خطابًا بجملة:
"قلتُ ما قلت... ومن شاء فليغضب"




عدد المشاهدات : (8060)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :