كارثة الميثانول .. كحول قاتل من مصنع مرخّص والموت مستمر


رم - الدكتورة ميس حياصات


في واقعة مأساوية هزّت الرأي العام الأردني، أعلنت مديرية الأمن العام عن تحديد مصدر مادة "الميثانول" السامة التي أدت إلى وفاة عدد من المواطنين، مع استمرار ورود حالات جديدة وسط توقعات بارتفاع عدد الضحايا والصدمة الكبرى أن هذه المادة القاتلة لم تُضبط ضمن تهريب غير مشروع أو في أماكن عشوائية، بل تم العثور عليها ممزوجة داخل مشروبات كحولية معدّة للبيع والاستهلاك البشري، من إنتاج مصنع حاصل على ترخيص رسمي. هذا الكشف يثير تساؤلات خطيرة حول فاعلية الرقابة المؤسسية، ونزاهة عمليات التصنيع، ومستوى الالتزام بالمعايير الصحية المُلزِمة.

الميثانول، المعروف باستخدامه الصناعي كوقود أو مذيب، تحول في هذه الحالة إلى سمّ قاتل بعد خلطه بأنواع من الكحول المخصصة للاستهلاك البشري. أدى هذا الغش إلى سلسلة من حالات التسمم الخطيرة، منها ما انتهى بالوفاة، وأخرى تسببت في مضاعفات صحية جسيمة وهذه الكارثة تمثل تقصيرًا مزدوجًا تهاون في الرقابة، واستهتارًا بأرواح الناس من قبل من يفترض أنهم ملتزمون بالقانون.

وتعيد هذه الحادثة النقاش المحتدم حول الكحول في الأردن، ليس فقط من الزاوية الدينية أو الأخلاقية، بل من منظور الصحة العامة، والسلامة المجتمعية، والأمن الفردي فالكحول بطبيعته يؤثر سلبًا على الجهاز العصبي والكبد، ويقوّض الصحة النفسية، ويرفع من نسب الإصابة بالأمراض المزمنة أما عندما يُزوّر أو يُغشّ بمركبات قاتلة، فإنه يتحول إلى أداة قتل جماعي.

على الصعيد الاجتماعي، تتضاعف الكارثة فتعاطي الكحول يساهم في التفكك الأسري، ويزيد من معدلات العنف المنزلي، ويُفقد كثيرين وظائفهم وقدرتهم على العيش المستقر، مما يجعلهم عرضة للفقر والعزلة والانهيار النفسي وفي حالات الإدمان، يصبح الفرد عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا على أسرته ومجتمعه.

أما الأثر الاقتصادي، فلا يقل خطورة إذ يؤدي الإدمان إلى استنزاف دخل الأسر، وارتفاع كلفة العلاج، وخسارة الدولة والقطاع الخاص لطاقات بشرية منتجة وتُبرز هذه الكارثة أهمية مراجعة شاملة لمنظومة الرقابة، حتى على المصانع المرخصة، وتشديد أدوات المحاسبة القانونية دون مجاملة أو تساهل، بعيدًا عن الإجراءات الشكلية أو التصريحات الإعلامية الفارغة.

"كارثة الميثانول" ليست مجرد حادثة طبية أو ملفًا جنائيًا عابرًا، بل جرس إنذار يستوجب إعادة النظر في ثقافة التعامل مع الكحول في الأردن، من الإنتاج إلى التوزيع، ومن الاستهلاك الشعبي إلى مسؤولية الجهات الرقابية فالأبرياء دفعوا الثمن بالفعل، وقد يدفع غيرهم لاحقًا، إن لم يتحرك الجميع – دولةً ومجتمعًا – لوضع نهاية حاسمة لهذا النزيف القاتل .



عدد المشاهدات : (5639)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :