رم - اختارَ حزبُ "التجمّعِ الوطنيِّ" اليمينيِّ المتطرفِ في فرنسا أن ينقلَ المعركةَ من ممرّاتِ البرلمانِ إلى مدرّجاتِ الطائراتِ، وسط أجواءٍ سياسيةٍ مضطربةٍ وصراعٍ خفيٍّ على زعامتِهِ.
وفي مشهدٍ مدروسٍ بعنايةٍ خلالَ زيارةٍ لمعرضِ الطيرانِ الدوليِّ في بورجيه، ظهرتْ مارين لوبان وجوردان بارديلا جنبًا إلى جنبٍ، يضحكان أمام الكاميراتِ ويتبادلان النكاتِ.
لكنْ خلفَ هذا العرضِ "الوحدويِّ"، يدورُ سؤالٌ كبيرٌ: من سيقودُ الطائرةَ فعلًا في انتخاباتِ 2027؟ وهل نحن أمامَ انسجامٍ حقيقيٍّ أم توزيعِ أدوارٍ بين مرشحةِ "الضرورةِ" وخليفتِها الطموحِ؟
عرض الطائرات... أو عرض الوحدة؟
وقالت محطةُ "فرانس.إنفو" التلفزيونيةُ الفرنسيةُ، في يومِ الخميسِ، تحتَ شمسٍ حارقةٍ وعدساتِ عشراتِ الكاميراتِ، خطفَ الثنائيُّ بارديلا-لوبان الأضواءَ في معرضِ بورجيه للطيرانِ.
ودخلَ بارديلا قمرةَ طائرةِ "رافال" مقاتلةً، ثمَّ مازحَ لوبان عن سهولةِ الخروجِ منها مقارنةً بصعوبةِ ما فعله رئيسُ الحكومةِ فرانسوا بايرو قبلَ يومٍ واحدٍ.
مارين لم تُفَوِّتِ الفرصةَ، وردّتْ بنبرةٍ ساخرةٍ: أريدُ فقط أنْ أعرفَ ما إذا كان رئيسُ وزرائي يدخلُ الرافال بشكلٍ أفضلَ من الحالي!"، وفقًا للمحطةِ الفرنسيةِ.
وبهذه النبرةِ الساخرةِ، لم تُخفِ لوبان موقعَها كـ "الخطةِ أ" لحزبِها في انتخاباتِ الرئاسةِ المقبلةِ، رغمَ الحكمِ القضائيِّ الذي يجعلُها غيرَ مؤهلةٍ مؤقتًا للترشّحِ بسببِ قضيةِ المساعدينَ البرلمانيينَ.
معضلة الخلافة: طمأنة القاعدة رغم الغموض
وأشارتِ المحطةُ الفرنسيةُ إلى أنه "حتى صدورِ حكمِ الاستئنافِ المتوقعِ قبلَ صيفِ 2026، يبقى المشهدُ غامضًا. فهل ستترشحُ مارين لوبان أم يُفسحُ المجالُ أمامَ بارديلا؟".
من جانبه، قالَ بيير دوبوي، الباحثُ السياسيُّ المختصُّ باليمينِ المتطرفِ إنَّ التصريحاتِ بين الطرفينِ، وإنْ بدتْ منسقةً، أحيانًا ما تكشفُ هشاشةَ التناغمِ.
في مايو الماضي، قللتْ لوبان من إلمامِ بارديلا بملفاتِ ما وراءَ البحارِ، فما كان منه إلا أنْ دافعَ عن نفسِه على الهواءِ مباشرةً، مؤكدًا معرفتَه بملفِّ كاليدونيا جيدًا.
ولفتَ دوبوي إلى أنه في يونيو، أثارَ بارديلا بلبلةً داخلَ الحزبِ عندما تحدثَ عن إمكانيةِ إجراءِ انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرةٍ في حالِ سقطتْ حكومةُ بايرو، وهو سيناريو لن تتمكنَ لوبان من خوضِه بسببِ عدمِ انتهاءِ فترةِ عدمِ أهليتِها.
ورأى في تصريحاتٍ لـ "إرم نيوز" أن "لوبان ما تزالُ القوةَ المهيمنةَ، لكن بارديلا يحظى بشعبيةٍ متصاعدةٍ، خاصةً بين الشبابِ، هو الوجهُ العصريُّ الذي يُعوَّلُ عليه للحفاظِ على وتيرةِ التمددِ، موضحًا أنه لا يمكنُ تجاهلُ المخاطرِ: نقصُ الخبرةِ ومواقفُ غيرُ ثابتةٍ، قد يقودانه إلى حالةِ "ترامب" لو نزلَ منعطفًا غيرَ محسوبٍ.
وحالَ أحدُ مستشاري بارديلا التخفيفَ من التصريحاتِ واعتبرَها "سوءَ تعبيرٍ"، لكن الأزمةَ كانتْ واضحةً: من صاحبُ القرارِ؟ ومن المرشحُ الحقيقيُّ؟، بحسبِ محطةِ "فرانس.إنفو" الفرنسيةِ.
عرض مزدوج أم تحضير لمرحلة انتقالية؟
أمامَ هذهِ التساؤلاتِ، يعملُ الحزبُ على إظهارِ "وحدةِ الصفِّ"، من لقاءٍ مشتركٍ في منطقةِ لواريت إلى الزيارةِ الرمزيةِ لبورجيه.
يقولُ أحدُ مستشاري بارديلا: "الاثنانِ كانا متحمسينَ للذهابِ. رأيناها فرصةً ممتازةً لإظهارهما معًا، خصوصًا في حدثٍ استراتيجيٍّ مثلَ هذا".
وأضافتْ إحدى الشخصياتِ المقربةِ من لوبان: "إنها فرصةٌ لالتقاطِ صورٍ جيدةٍ... إنه حدثٌ فيه ما هو ممتعٌ ومفيدٌ".
وفي رسالةٍ مباشرةٍ أمامَ الكاميراتِ، قالتْ لوبان وهي تشيرُ لبارديلا: "هذا هو رئيسُ وزرائي"، في تأكيدٍ على استمرارِها في لعبِ دورِ المرشحةِ الرئاسيةِ رغمَ كلِّ شيءٍ.
أزمة داخلية في ظل سباق طويل
يقول النائبُ ألكسندر لوبيه: "نحن نعدُّ بارديلا. نعملُ على صورتِه الدوليةِ. لكننا لا نسعى لاستبدالِ مارين. كلُّ ما نفعله اليومَ سيخدمُنا لاحقًا في رئاسةِ الحكومةِ أو في الرئاسةِ"، وفقًا للمحطةِ الفرنسيةِ.
لكن مستشاري لوبان يعترفون بأنَّ المشهدَ يزدادُ تعقيدًا، خصوصًا معَ ظهورِ بارديلا كزعيمٍ "محترفٍ" في السياسةِ الأوروبيةِ، ومواقفِه المتباعدةِ عن لوبان أحيانًا.
يقول أحدهم: "كلُّ تصريحٍ له يتمُّ تحليلُه بعنايةٍ... ليس الوضعُ مريحًا له أبدًا"، شخصيةٌ أخرى من داخلِ الحزبِ: الأمرُ كأننا نُجبرُ على استمرارِ التمثيليةِ. الجمهورُ يريدُ معرفةَ من هو المرشحُ، ونحن لا نملكُ إجابةً بعد".
وأشار: "مارين ما تزالُ الرقمَ الأصعبَ في المعادلةِ، لكن نفوذَها بدأ يتآكلُ. بارديلا يُستخدم كوجهٍ شابٍّ وكاريزميٍّ يُبقي الحزبَ حاضرًا، لكن لا أحدَ يريدُ حسمَ الأمرِ قبلَ صدورِ حكمِ الاستئنافِ. التحولُ قادمٌ... لكن متى؟"