رم - قدم وزير الخارجية الأسبق، ونائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الدكتور مروان المعشر، قراءة شاملة لمآلات الصراع الإسرائيلي–الإيراني، مبينًا ما إذا كان الشرق الأوسط على أعتاب حرب قد تغيّر ملامحه، أم أنه بصدد فصل جديد من فصول "توازن الرعب" المستمر منذ عقود.
وقال المعشر في تصريحات لـ "النهار العربي" إننا نعيش اليوم لحظة توصف بأنها الأكثر خطورة منذ سقوط جدار برلين، وأن ملامح هذه الحرب مختلفة جذريًا عن سابقاتها، مؤكدًا أن المنطقة تمر فعلاً بإحدى أصعب الفترات في تاريخها.
وتابع ان ما يجري اليوم مختلف تمامًا عن الحروب السابقة، إذ أن إسرائيل تستخدم القوة بشكل مفرط وغير مسبوق، من دون أيّ محاسبة من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو حتى الاتحاد الأوروبي، ولفت أن الأخطر بهذه الحرب المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، بعدما كانت تدور عبر حلفاء إيران، كحزب الله والحوثيين.
وأضاف أن هذه الحرب تستهدف المدنيين والبنى التحتية من كلا الطرفين، وأنه للمرة الأولى منذ بدء الصراع العربي–الإسرائيلي، يتعرض المدنيون الإسرائيليون أيضًا لقصف مكثف وخسائر كبيرة، ما يجعل هذه الحرب أكثر خطورة ويُحتّم ضرورة إنهائها فورًا.
وبيّن أن العامل الوحيد القادر على حسم هذه الحرب هو الولايات المتحدة، وأنه من دون تدخل أميركي مباشر لوقفها، هناك خشية من أن تطول وتتمدد.
وأضاف أن هناك صراعًا داخل الإدارة الأميركية بين من يدفع نحو دخول الحرب لتصفية البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وبين تيار آخر، لا سيما ضمن قاعدة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA)، يعارض التدخل الخارجي بشدة. ولم يُحسم هذا النقاش بعد، لكن المؤشرات تميل حاليًا إلى كفة مؤيدي التدخل.
وقال إذا افترضنا أن الولايات المتحدة ستتدخل، فهل سيكون تدخلها عسكرياً، ديبلوماسياً، أم قليلاً من الاثنين؟
وأشار إلى أن الأميركيين يريدون استسلام إيران من دون شروط. وإذا حدث تدخل عسكري، فسيكون على شكل ضربات جوية تستهدف المنشآت النووية، باستخدام قاذفات مثل B-52، وليس عبر قوات برية، إذ إن المجتمع الأميركي يعارض الحروب البرية.
أما دبلوماسيًا، فقال المعشر لا يبدو أن الإدارة الأميركية مهتمة بحل سياسي طويل الأمد، لا في المسألة الإيرانية ولا الفلسطينية؛ إذ تنصبّ أولوياتها على الجوانب الاقتصادية والأمنية، لا على استراتيجيات بعيدة المدى.
وعن دعم باكستان لإيران، فقال بحسب أعتقده أن التصريحات الباكستانية لا تتعدى الدعم المعنوي، وأظن باكستان ليست مستعدة لمواجهة واشنطن. وأرى أن تأثير الفصائل في العراق أو اليمن محدود. إن كانت إيران نفسها عاجزة عن حسم المواجهة مع إسرائيل وأميركا، فكيف ستفعل فصائلها ذلك؟
وقال عن من يرى أن هدف هذه الحرب يتجاوز الملف النووي الإيراني إلى إسقاط النظام الإيراني، مبينًا أن هذا ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو بلا شك، وقد عبّر عن ذلك مرارًا. لكنه أشار إلى أن الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف ليست واضحة. كما أن الاعتقاد بأن إضعاف النظام يؤدي إلى انتفاضة داخلية لا تدعمه المؤشرات الحالية. وأضاف أن الشعب الإيراني، رغم كل شيء، يلتف حول قيادته في وجه العدوان الخارجي، حتى لو لم يكن مؤمنًا بها. أما في حال سقوط النظام الإيراني، فسيكون لذلك تداعيات هائلة؛ إذ سيزداد ضعف حلفاء إيران مثل "حزب الله" و"الحشد الشعبي" و"الحوثيين"، وسيتراجع مشروع تصدير الثورة وربما ينتهي. لكنه أكد أن الحديث عن سقوط النظام الإيراني لا يزال مبكرًا، وأن الوضع لم يتضح بعد، وما زلنا في مرحلة غامضة.
وعن امتلاك القدرة على الصمود أكثر في هذه الحرب بين إيران أم إسرائيل، فقال: نعلم أن إسرائيل معدّة أكثر للحروب القصيرة، لكنها تفشل في الحروب الطويلة كما رأينا في غزة. هل تستطيع دولة من عشرة ملايين نسمة القضاء على دولة من تسعين مليونًا؟ هذا غير مرجح، حتى لو امتلكت التكنولوجيا المتقدمة. إنها حرب تكنولوجية، ومن يمتلك النفس الأطول قد يصمد أكثر، لكن لا إجابة حاسمة لدي.
أما عن ترجيح خيار التفاوض مجدداً، بين المعشر أن إيران تملك الكثير من أوراق القوة، خصوصاً إذا تدخلت واشنطن في هذا الصراع، أما إسرائيل، المدعومة أميركيًا، تملك اليد العليا. رأينا ذلك في غزة، حيث أُنشئ جسر جوي أميركي لتعويض الذخائر التي تستخدمها تل أبيب. وفي الشأن الفلسطيني، لا أعتقد أن إسرائيل مهتمة بالتفاوض. إنها تسعى إلى الضم والتهجير، لا لـ"حل الدولتين". الحل، في المدى البعيد، سيكون ديموغرافيًا، حين يشكّل الفلسطينيون أغلبية يصعب معها استمرار نظام الفصل العنصري.
وعن موقف الأردن من هذه الحرب وكيف تؤثر عليه التوازنات الجديدة في المنطقة، أجاب بأن الأردن لا يريد الانخراط في هذا الصراع، وأننا دولة صغيرة لا نملك إمكانات عسكرية لذلك. وأضاف أن علاقاتنا بإيران وإسرائيل ليست وثيقة، ولا نراهما حليفين، ونحاول الحفاظ على الاستقرار. وأكد أن الحرب أضرت بنا كثيرًا، حيث توقفت السياحة تقريبًا، ونواجه صعوبات في قطاع الطاقة، وهناك قلق كبير من تهجير جديد للفلسطينيين. كما لفت إلى أن علاقتنا مع واشنطن لم تعد كما كانت، لذلك نسعى إلى إنهاء هذه الحرب سريعًا.
وحول ما إذا كانت هذه ستكون آخر حروب إسرائيل في الشرق الأوسط، قال: أظن ذلك. فإسرائيل لن تتمكن من فرض هيمنتها بالقوة. فهي دولة صغيرة، تفتقر إلى العمق الديموغرافي والجغرافي. وإذا كانت تطمح إلى مستقبل آمن في المنطقة، فعليها أن تسلك طريق التفاوض لا طريق القوة؛ إذ إن القوة لا تصنع سلامًا دائمًا.