نفحات نبوية صباحية


رم -
بقلم الدكتور سليمان حسن الرطروط
(عن أنس بن مالك _رضي الله عنه_ أن النبي ﷺ قال : لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) _صحيح البخاري13_

الرابطة والأخوة الإيمانية من أوثق العرى بين المسلمين، وكانت في بداية العهد النبوي المدني من أسباب الميراث بين المتآخين، ثم نسخت، وجعلت القرابة والرحم بدلا منها ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ _الأنفال 75_.

ومحبة الخير من المسلم لا تقتصر على أخيه المسلم فقط بل تشمل الناس جميعا، ولكن المؤمن أولى بحب الخير والمنفعة له من غيره، لأنه الأولى بالمعروف لقرابته ونسبه، أو لديانته، والنبي ﷺ كان هاديا ومبشرا ونذيرا ورحمة للعالمين ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ _الأنبياء 107_

ولعل من أبواب حب الخير إسداء النصيحة بأمانة وصدق، وخاصة إن جاءت بطلب من الطرف الآخر؛ فردا كان أو مجموعة، لأن هدفها الرغبة في حصول المنفعة، أو اجتناب أذى وشر قد يقع للمرء المنصوح، وكما قال النبي ﷺ : ( إِنَّ المستشارَ مؤتمنٌ) _صحيح أبي داود 5128_ فالنصيحة هي: إسداء النصح بالقول أو العمل، ويراد بذلك الخير للمنصوح عاجلا أو آجلا سواء في شؤون الحياة الدنيوية أو الأخروية؛ كالنصح في الزواج وشؤون الأسرة أو العمل أو الدراسة، أو إرشاد المنصوح وحثه على أداء العبادات المفروضة والنوافل، وكثرة الاستغفار والدعاء.

وقد أشار إلى أهمية النصيحة النبي ﷺ فقال : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ) _صحيح مسلم 55_ والنصيحة لله؛ بالإيمان به، وتنزيهه عن مخلوقاته، وعبادته وحده.
والنصيحة لكتابه؛ بالإيمان به وبكل ما فيه، وتطبيق أحكامه، وتلاوته. والنصيحة لرسوله ﷺ بالاقتداء بسنته، وتنفيذ واتباع أوامره.
والنصيحة (لأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ) ؛ بتنفيذ أوامرهم، وطاعتهم في غير معصية، وبالمعروف، والدعاء لهم بالهداية والرشاد، ومساعدتهم في تنفيذ أحكام الله، ولما فيه خير العباد والبلاد، ولكن ينبغي النصح لهم بالقول اللين، لكي تحقق النصيحة أهدافها ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ _طه44_.

ومن الجدير ذكره أن نصيحة السلاطين والحكام لها آدابا، وعبارات ينبغي للناصح مراعاتها؛ حتى تؤتي ثمارها، وقد تقتضي السرية والخفاء، وعدم الإعلان بها للعامة، لأن الجهر والإذاعة بها قد يحدث اضطرابا ومفسدة أكبر من الفساد السابق. وكذلك عدم الخروج عليهم إلا أن تروا كفرا مباحا ليس له تأويل إلا الكفر، ولا تقتصر النصيحة على الإمام والقائد الأعظم بل تشمل أي مسؤول في كل مواقع ودرجات المسؤولية.

ولعل العلماء العاملين من أئمة الدين، حيث تجب النصيحة لهم، وإرشادهم، وخاصة إن مالوا عن المنهج السليم، والخلاصة : أنه ليس لأي إمرء حصانة عن النصح والتوجيه مهما كبر عمره، وارتفعت مكانته.
والنصح لعامة المسلمين (وعامَّتِهِمْ) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجاته، وإرشادهم لما يصلح أحوالهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يكره لهم ما يكرهه لنفسه، والدفع عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

وقد جاء في حديث آخر مساواة النصح مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وذلك للدلالة على أهميته في الحفاظ على المجتمع سليما، ومطمئنا، وآمنا ( قال جَريرُ بنُ عَبدِ اللهِ _رَضيَ اللهُ عنه_: بَايَعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والسَّمْعِ والطَّاعَةِ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) _صحيح البخاري 5127_

وأخيرا: فإن حب الخير والنصح للمسلم بصرف النظر عن مذهبه ولونه وبلده واجب على المؤمن، كما وأن كره الشر والسوء والأذى الذي قد يقع عليه، أو وقع عليه؛ هو من علامات الإيمان الصادق، وإلا فليراجع نفسه !!!

#نفحات_نبوية_صباحية
#سليمان_الرطروط



عدد المشاهدات : (797)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :