مهدي مبارك عبد الله
في 31 / 5 / 2025 اعلنت للمرة الأولى مجموعة مسلحة مجهولة الهوية عن نفسها باسم ( كتائب الشهيد محمد الضيف ) القائد العام لأركان الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام الذي قتل في اب الماضي بغارة جوية نفذتها الطائرات الاسرائيلية على منطقة مواصي خان يونس وقد أكدت حركة حماس استشهاده في نهاية الشهر الأول من هذا العام مع قادة آخرين أبرزهم نائبه مروان عيسى وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت وقائد لواء خان يونس رافع سلامة
كتائب الشهيد الضيف المزعومة نفذت أولى عملياتها العسكرية في 3 حزيران الجاري بإطلاقها صاروخين نوع غراد من منطقة درعا على مواقع إسرائيلية في جنوب هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل في 1967 وأعلنت ضمها في 1981 ردا على المجازر في قطاع غزة حيث سقط المقذوفان في منطقتي ( حاسبين ورمات ماغشيميم ) وهما غير مأهولتين بالسكان الأمر الذي أثار تساؤلات حول ماهية هذه الكتائب ولمن تتبع واين تتواجد قيادتها وعناصرها ( ان وجدت اصلا ) وهل هي منبثقة او منشقة عن جماعات فلسطينية معروفة أو مدعومة من جهات خارجية سيما وان حركة حماس نفت أي علاقة لها بها
كتائب الشهيد محمد الضيف اعلنت عن تأسيس نفسها عبر بيان على صفحتها على منصة تلغرام جاء فيه من قلب فلسطين المحتلة نعلن عن تأسيس كتائب الشهيد محمد الضيف وفاءا للدماء الطاهرة وامتداداً لطريق المقاومة وقد افاد البيان بان كتائب الشهيد محمد الضيف ليست حزباً ولا تنظيماً بل هي فعل ثوري مقاوم حر ينبض في كل شارع ومخيم وزقاق ويحمل صدى كل صرخة من تحت الركام من غزة إلى الضفة ومن القدس إلى الداخل المحتل وأنها انطلقت من وجع الشعب ومن صمت العالم ومن خذلان القريب ومن دماء الشهداء التي لم تجف وكذلك من آهات الأسرى والمشردين واكد البيان أن أعضاء كتائب الشهيد محمد الضيف يريدون أن يكونوا رجال المرحلة وأن يحملوا الراية من بعد قادة المقاومة الأبطال وذكرمنهم مؤسس حركة حماس الشهيد أحمد ياسين والقيادي فيها الشهيد عبد العزيز الرنتيسي والشهيد محمد الضيف
كما اضاف البيان قوله نحن جيل ولد تحت القصف وشب على صوت البنادق ولن يقبل بالعيش في ذل أو خنوع فإما ( حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى ) وفي ذات الوقت وجهت الكتائب رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي قالت فيها سنكون سيفا مسلطا على رقابكم أينما كنتم وستجدوننا هناك نقاتلكم بكل ما نملك ونزرع الرعب في قلوبكم ونقتلع جذوركم من أرضنا فلا رحمة لكم عندنا والخبر ما ترون لا ما تسمعون .
ردا على هذه العملية الغامضة وفي انتهاك صارخ للسيادة السورية يزيد من توتر المنطقة شن طيران الجيش الإسرائيلي في حينها غارات على جنوبي سوريا استهدفت كل من تل الشعار وتل المال وتل المحص والفوج 175 في ريف درعا جنوبي البلاد وقد حمل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ( أبو محمد الجولاني سابقا ) المسؤولية المباشرة عن الهجوم وعن كل تهديد وإطلاق نار تجاه إسرائيل وهدده بقوله سنرد بكل حزم في أقرب وقت ممكن على كل اعتداء وسوف نستهدفك شخصيا .
تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي حافل بظهور مجموعات عسكرية بين فترة وأخرى تتحدى الهيمنة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية ولهذا حتى لو أخذنا البيان الذي أطلقته المجموعة على محمل الجد وتأكد انطلاق المقذوفين من درعا ( وهو أمر قالت السلطات السورية إنها لم تتثبت منه ) فان في ذلك تذكير بإمكانية فتح الجبهة السورية المغلقة ضد إسرائيل منذ اتفاق عام 1974
بعد سقوط نظام الاسد الابن واستشراء حالة العداء والانقسام والدخول في مواجهات مسلحة بين قوات الامن وبعض عناصر النظام السابق في اكثر من منطقة سيما تلك التي تسكنها بعض الاقليات الدرزية والشيعية في السويداء والساحل وغيرهما بالتزامن مع ظهور بعض الافراد والجهات التي تسعى إلى زعزعة الامن والاستقرار لتحقيق مصالحها الخاصة وفي الوقت الذي يستمر فيه التنسيق غير المباشر بين دمشق وتل أبيب للحفاظ على حالة التهدئة بين الطرفين لهذا اعتبر البعض ان الصاروخين مجرد ( طلقات سياسية أكثر منها عسكرية ) لأنهما لن يؤثران باي شكل على الوجود العسكري الإسرائيلي في الجولان المحتل
سوريا الجديدة التي قادت فصائل المعارضة السورية المسلحة وبسطت سيطرتها على البلاد في 8 كانون الأول 2024 وانهت 61 عام من نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد لم ولن تشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة وهي بالأصل غير قادرة حتى الان على حماية نفسها خاصة بعد الغارات الاسرائيلية المتواصلة على المواقع العسكرية الهامة ومرابض الطائرات ومخازن الصواريخ والذخيرة وأن الأولوية القصوى للنظام بجنوبي سوريا هي بسط سلطة الدولة وإنهاء السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية والسؤال هنا هل هنالك علاقة لهذا التنظيم الجديد باي من فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا او لبنان ام ان هنالك استخدام رخيص لاسم الشهيد محمد الضيف وإن الأمر مرتبط بأجهزة استخبارات إقليمية منزعجة من رفع العقوبات والانفتاح السوري العربي والدولي وخاصة مع امريكا وان هذه العملية السطيحة تريد جر سوريا إلى مستنقع جديد من خلال توتير الأوضاع في الجنوب السوري وتوفير المبررات والذرائع لإسرائيل لتنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي السورية بحسب ما يقوله بعض المتابعين والمراقبين
بالتدقيق في حيثيات العملية الصاروخية الضعيفة التي جرى الإعلان عنها مؤخرا من الجنوب السوري نجد انها تثير العديد من التساؤلات حول توقيتها ودلالات ظهورها وتداعياته على المشهد الإقليمي والجهة التي تقف خلفها والأهداف الحقيقية الكامنة وراءها بالإضافة إلى وجود أخطاء واضحة في البيان الإعلامي الذي صدر باسم الجهة التي تبنتها وأن هناك علامات استفهام واتهام تحيط بالعملية منذ بدايتها وأن الزمان والمكان يلعبان دورا رئيسيا في إثارة هذه الشكوك لدينا
التحليل اللغوي واللفظي للبيان الإعلامي يكشف عن لغة غريبة لا تنتمي لأدبيات المقاومة المعروفة باستخدامه مصطلح ( المستضعفين ) والذي يبتعد كليا عن الخطاب التقليدي للمقاومة الفلسطينية خاصة ما يطرح تساؤلات متتالية عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء الهجوم
بالرجوع إلى الحسابات الالكترونية التي نشرت من خلالها بيانات المجموعة ( كتائب الشهيد محمد الضيف ) على منصة تلغرام لاحظنا انها أنشئت قبل أيام قليلة من تشر البيان في حين ان التتبع المتكامل لمسارها العملي يشير الى انها قد انشئت قبل اعوام وهو ما يعزز فرضية فبركة هذه التنظيم
اما بخصوص الجهة التي تقف وراء العملية فهنالك احتمالين الاول أن إسرائيل هي من اخترع هذه المجموعة لخلق مبررات جديدة للتدخل في سوريا وهي الاقوى خاصة مع الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب والاحتمال الثاني أن الميليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني وأتباع بشار الأسد يقفون خلف العملية باستخدام أسلحة من طراز صواريخ الجراد بهدف جر سوريا إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل لا قوة لها بها في الوقت الذي تحاول فيه تهدئة الجبهة الجنوبية وهذا ما يقوله بعض الاطراف التي تريد خلط الاوراق وحرف البوصلة عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء الهجوم وباي حال قان دمشق هي الخاسر الأكبر في عملية كتائب محمد الضيف أي كان ورائها
اما فيما يتعلق بالمنطقة التي انطلقت منها الصواريخ في ريف درعا الغربي التي كانت هدفا لعمليات متكررة من قبل قوات الاحتلال كان آخرها عملية تمشيط ميداني بتاريخ 15 أيار الماضي فقد نفت السلطات السورية وجود أي مجموعات مسلحة فيها فلسطينية او غيرها وأن معظم الفصائل المسلحة في الجنوب السوري تم حلها أو دمجها في الجيش السوري الجديد باستثناء مجموعتين صغيرتين لا زالتا متمركزتين في الشمال بعيداً عن الحدود مع إسرائيل
عملية كتائب الضيف رغم كل الشكوك والتفسيرات الغامضة حولها الا انها تبعث اشارات وإنذارات لاحتمالات خطيرة على رأسها فتح شهوة الانتقام المستمر على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وعواقب توسيع سيطرته على أراضي سورية من بينها مدينة القنيطرة والغاء المنطقة السورية العازلة وأعلان انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974 ولهذا ستبقى الخشية الإسرائيلية من فقدان السيطرة الأمنية قائمة وتتوسع بغياب أي مقاربة سياسية ضرورية وهو ما سيرتد على إسرائيل أمنيا واستراتيجيا فهل تعي تل ابيب ذلك قبل قوات الاوان وقبل الدخول في متاهات جديدة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |