رم - قال خبراء فرنسيون إن التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران بدأ يلقي بظلاله الثقيلة على أوروبا، اقتصاديًا وجويًا.
فمع تصاعد الضربات وتبادل التهديدات، سُجل تراجع في مؤشرات البورصة الأوروبية، وارتباك واسع في حركة الطيران، بينما تحذر الأسواق من خطر انفجار شامل قد يعطل شرايين التجارة والطاقة.
ورأى الدكتور جون-لوك مارتان، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس، أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران تمثل "تحولًا استراتيجيًا بالغ الخطورة" في قواعد الاشتباك الإقليمي.
وقال مارتان لـ"إرم نيوز": "نحن أمام لحظة حساسة، إسرائيل اختارت التصعيد في وقت يعاني فيه النظام الإيراني من ضغوط داخلية وخارجية، وردُّ طهران لن يكون رمزيًا فقط".
وأوضح: "إذا توسع الهجوم المتبادل ليشمل أطرافًا إقليمية أخرى كحزب الله أو الميليشيات في العراق وسوريا، فقد تجد أوروبا نفسها قريبًا أمام أزمة لجوء جديدة وتهديدات إرهابية محتملة".
وحذر الدكتور مارتان من أن غياب موقف أوروبي موحد وواضح حتى الآن يزيد هشاشة الموقف الأوروبي، سواء دبلوماسيًا أم أمنيًا.
أوروبا بين نارين ..الطاقة والمخاطرة
أما عن الجانب الاقتصادي، قالت كلير تيرييه، كبيرة المحللين في بنك الاستثمار الفرنسي "Natixis"، إن التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يعد "أحد أكثر السيناريوهات كلفة لاقتصادات أوروبا منذ الحرب في أوكرانيا".
وأوضحت تيرييه لـ"إرم نيوز" أن "أوروبا لا تزال تعتمد على طرق نقل الطاقة من الخليج، وأي إغلاق لمضيق هرمز أو تهديد مباشر له سيشعل أسعار النفط والغاز مجددًا، كما أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا تحديدًا ستكون في وضع هش؛ لأن تعافيها الصناعي لا يزال هشًا".
وأضافت أن أسواق المال تعكس بالفعل قلق المستثمرين من موجة تضخم ثانية.
وأوضحت أن "أسعار النفط قفزت فوق 90 دولارًا، وإذا استمر الضغط الجيوسياسي، فقد نرى مستويات فوق 100 دولار في وقت قريب، وهذا سيعقد جهود البنوك المركزية في كبح التضخم، ويهدد استقرار اليورو نفسه".
تحذيرات من تصعيد أكبر
في ظل هذه الأجواء المشحونة، أعربت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية عن مخاوفها من أن يؤدي تصاعد التوتر إلى موجة تقلبات أوسع، ليس فقط في قطاع الطاقة والنقل، بل أيضًا في سلاسل التوريد وأسواق التمويل.
ومع دخول أوروبا موسمًا اقتصاديًا حساسًا، فإن أي اضطراب جديد في المضائق النفطية أو الطرق التجارية الحيوية قد تكون له تداعيات عميقة.
إلغاء رحلات
وأدى الهجوم الإسرائيلي على مواقع إيرانية، شملت منشآت نووية ومصانع صواريخ، إلى إغلاق المجالين الجويين الإيراني والعراقي، ما أجبر شركات الطيران على إعادة جدولة مساراتها لتفادي المنطقة.
ووفقًا لموقع "فلايت ردار 24" واصل مطار بن غوريون في تل أبيب نشاطه في الساعات الأولى من الصباح، إلا أن شركة الطيران الإسرائيلية "العال" سرعان ما أعلنت تعليق جميع رحلاتها.
كما ألغت شركة "إير فرانس" رحلتها المقررة ليوم الجمعة، وأبقت فقط على رحلة يوم السبت، بينما أعلنت Transavia عن استئناف رحلاتها اعتبارًا من 16 يونيو.
وكانت شركات كبرى مثل "لوفنهانزا" و"إيزي جت" قد أوقفت رحلاتها إلى تل أبيب منذ أسابيع، وأكّدت تمديد التعليق حتى 22 يونيو على الأقل، أما شركات الطيران الخليجية مثل "فلاي دبي" فقد أوقفت مؤقتًا رحلاتها إلى عمّان، وبيروت، ودمشق، والعراق، وإيران.
الطائرات باتت تتجنب كليًا أجواء إسرائيل، وإيران، والعراق، وحتى أجزاء من الأردن، وتسلك مسارات بديلة عبر تركيا وأذربيجان شمالًا، أو عبر مصر والسعودية جنوبًا.
يُذكر أن شرق العراق، القريب من الحدود الإيرانية، يحتوي أحد أكثر الممرات الجوية ازدحامًا في العالم، ما يزيد تعقيد الحركة الجوية بين أوروبا وآسيا.
الاقتصاد الأوروبي
في السياق ذاته، تراجعت كبرى مؤشرات البورصة الأوروبية مع بداية جلسة الجمعة 13 يونيو، متأثرة بالمخاوف من تصاعد عسكري أوسع في الشرق الأوسط.
فقد تراجع مؤشر بورصة باريس بنسبة 1.29%، بينما انخفض مؤشر DAX الألماني 1.45%، وFTSE 100 البريطاني بنسبة 0.58%، كما هبط مؤشر EuroStoxx 50 بنسبة 1.55%.
ويعود هذا التراجع إلى ما وصفه محلل الأسواق توني سيكامور من شركة IG بـ"الضربة القاسية لشهية المخاطرة"، إذ تسبب التصعيد الإسرائيلي الأخير في إثارة المخاوف من رد إيراني عنيف، وسط تحذيرات من احتمال تأثر مضيق هرمز، أحد أهم معابر النفط في العالم.
وفي المقابل، استفادت شركات الطاقة والدفاع من الوضع، فقد ارتفعت أسهم TotalEnergies الفرنسية بنسبة 2.3%، وShell البريطانية بنسبة مماثلة، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط. كذلك، ارتفعت أسهم شركات الدفاع الكبرى مثل BAE Systems وDassault Aviation وSaab AB بنسبة تتراوح بين 2.9% و3.6%.
أما القطاع الجوي، فكان من بين أكبر الخاسرين؛ إذ انخفض سهم Air France-KLM بنسبة 5.4%، وLufthansa بنسبة 4.4%، في ظل تعليق واسع للرحلات الجوية وإعادة توجيهها لمسارات أطول وأكثر تكلفة.