البقور يكتب: المناسبات الوطنية ليست روزنامة بل مشروع وطن


رم - بقلم : باسم البقور
ترى الحكمة أن الجغرافيا بتكتلاتها و طبقاتها التراكبية الراسخة بالجمود كانت يوما مادة مرنة قابلة للسحب والطي والتشكيل وما أن تفاعلت مع الزمان حتى تحولت لقيمة صلبة يمكن تجسيمها ،وهو ما يشابه الفهم الذي يرى " أن التاريخ زمان سائل و الجغرافيا زمان صلب ، ولحظة دخول الانسان منح تفاعل الزمان و المكان قيمة فتشكلت الذاكرة .

اسوق التصور الفلسفي اعلاه لسؤال هو الآتي :ما دواعي حالة الرتابة والنمطية في التعاطي مع مناسباتنا الوطنية ( عيد الجلوس الملكي،عيد الثورة العربية الكبرى،يوم الجيش ) ،وهنا نتحدث عن ثالوث مقدس ارتكزت الدولة عليه في بنائها ،وبكل أسف مرت ذكراها الخالدة ولم تأخذ في التعبير الشعبي والمؤسسي الحيز المطلوب في هكذا مناسبات، فكانت عبارة عن طقوس تقليدية كأحتفالات نمطية خجولة ومقابلات تلفزيونية ومقالات موسمية ذات مضمون ونسق مكرر، بأستثناء الحفل السنوي البروتوكولي المهيب للقوات المسلحة الذي اقيم في صرح الشهيد برعاية ملكية .

ولتوضيح مفهوم الذبول في الطرح مقابل التوهج ،لنأخذ أقرب مثال وعبر المصادفة الجميلة التي جاءت على هامش مباراة منتخبنا الوطني مع العراق الشقيق يوم امس الأول،استطاع منتخبنا بانجازه العالمي بالتأهل لكأس العالم اطلاق احتفالية وطنية اختصرت البروتوكولات و المسافات بين العرش والشعب، وشكّلت حالة وطنية من الانصهار الرمزي بينهما في حب الملك والوطن و الشعب والجيش،وببساطة استطاع الجميع قيادة وشعبا اعادة تسييل الجغرافيا و استدعوا قصة التاريخ والحاضرلتكّون المشهد المستقبلي.

هكذا ببساطة يمكن نفخ الروح بالتواريخ الجامدة و الذكريات العظيمة ،فالمناسبات الوطنية ليست تواريخ زمنية على الروزنامة،بل فرصة لتعزيز مفهوم الولاء و الأنتماء الوطني والاجماع الايجايي على مفهوم الدولة : القيادة الهاشمية،الشعب الأردني،الأرض الأردنية، ،فهل ما فعلناه من الاحتفالات مقنعا للأجيال الغائرة في التفاصيل الفرعية ؟
عيد الجلوس الملكي،هو عيد التأهب لسليل هاشمي باق على العهد و ماض في البناء،نستحضر فيه معاني الوفاء والاخلاص والوفاء لقيادة حملت الأمانة في أصعب الظروف وخطّت المستقبل بثقة و اقتدار،وقيادة وطنية آمنت بالتكليف لخدمة المشروع الأردني المحلي والأقليمي والدولي ، فكان لا بد من ابراز الملك كرمز لوحدة الدولة الأردنية و استقرارها واستحضار الأبعاد السياسية والدينية والتاريخية للشرعية الهاشمية.

أما عيد الجيش،فهو الذكرى المبجلة لحامل القيم الأردنية كالانضباط والشرف والتضحية،و هو الذي حافظ على الاستقلال و السيادة منذ التأسيس ،فكان من عوامل البناء في الذهنية الأردنية الجمعاء،والبناء في التنمية و التطورفي شتى المجالات ، والذي نال رعاية ملكية منقطعة النظير وهوالقائل في حامل شعار الجيش العربي : هذا عهدنا بكم،انتم الأصدق قولا والأخلص عملا .

و نقول في عيد الثورة العربية الكبرى،أنها لحظة التأسيس التاريخية للدولة الأردنية ،و التي سبقها ثورات اردنية ضد العثمانيين و حركات دعم مسلحة للفلسطينيين و للسوريين أسست الوعي الوطني والقومي ،ولكن الثورة العربية الهاشمية الكبرى اطلقت وميض التلاقي الأردني الهاشمي في بناء بواكير الدولة الأردنية ، و ها هو الأردن الآن النموذج الأميز في الحكم و التشاركية والاصلاح و التطور .

و لا ضير من العودة الى الانجاز الأردني العظيم في احتفالات الدولة بالمئوية و حفل زفاف سمو ولي العهد الامير الحسين والهبة الشعبية بعد عودة جلالة الملك من لقائه مع الرئيس الامريكي ، للاستفادة من آليات الاعداد و الاخراج لاحتفالات شدّت و ابهرت انظارالداخل الأرني و العالم ،التي شكلت محطات رمزية للتلاحم الوطني و العلاقة العميقة المتجذرة في التاريخ الاردني بين مكونات الدولة.

ماذا نريد؟ على الرغم من اتكاء هذه المناسبات على بعضها البعض في شهر حزيران المبارك ،فالمطلوب رزمة من الفعاليات مدروسة بمضامينها وشخوصها وادواتها الفكرية والسياسية والاعلامية والتربوية والعسكرية قادرة على تسسيل الجغرافيا و طي الزمان والمكان بشكل قابل للقراءة بعيون ابنائنا لخلق رابطا وطنيا ترسخ الانتماء الحقيقي لا الشعاراتي وتوطد العلاقة بين المواطن والدولة وتعزز الذاكرة الجمعية بين المكونات جمعاء .



عدد المشاهدات : (5565)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :