هذه السلط لا تُؤجَّر ولا تجير


رم - بقلم : ماجد ابو رمان

في المدن التي تحترم ذاكرتها، لا تُكتب الوثائق في العتمة، ولا تُعلّق الأختام على ورقٍ لا يلامس نبض الناس. والسلط – كما يعرفها أهلها ويعرفها التاريخ – ليست مدينةً تُؤخذ غفلة، ولا تُزجُّ في حسابات الآخرين على سبيل المجاملة أو المقايضة.

حين خرجت ما عُرفت بـ”وثيقة السلط الشعبية”، خرجت معها الأسئلة: من فوض؟ باسم من؟ ولماذا الآن؟ وما الغاية من أن تُرهن المدينة بكل ما تمثل، لمواقف تُكتب بلغة غامضة، في توقيت مريب، ومنصات لم يُختبر صدقها؟

لكن السلط، التي عرفت الشهداء والمعلمين والعمال، لم تصمت. لم تنجرّ إلى المشهد بصوت واحد، بل رفعت أصواتًا كثيرة: شبانها، وجهاؤها، مثقفوها، وناسها البسطاء. وقفوا في وجه العاصفة، لا بسلاح، بل بكلمة: “لسنا معكم، ولا هذا يُشبه السلط”.

ولأن للمدينة مناعتها، تراجع القائمون. صمت البعض، انسحب البعض، وحاول آخرون إعادة تلوين الوثيقة وكأن شيئًا لم يكن. لكن الحقيقة لا تُجمَّل: ما سقط ليس مجرد نص، بل سقطت فكرة أن المدينة يمكن أن تُختطف باسم أبنائها.

التراجع عن الوثيقة ليس هزيمة لأحد، بل هو انتصار لسلطٍ لم تخن نفسها. انتصار لمفهوم أن الكرامة ليست قابلة للتفاوض، وأن الصوت العالي لا يعني الحقيقة، وأن الشرعية لا تُؤخذ بتصفيق النخبة، بل برضا الناس.

اليوم، تعود السلط إلى أهلها. لا أحد يتحدث باسمها إلا من يحبها كما هي: حرة، عفية، لا تتورط في الحسابات الضيقة، ولا تبيع تاريخها بثمن سياسي.





عدد المشاهدات : (8357)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :