جيل الفرصة لا جيل الأزمة: الشباب الأردني في معركة المستقبل


رم - الدكتور ليث عبدالله القهيوي

رغم التحديات العميقة التي تواجه الشباب الأردني من بطالة مرتفعة إلى فجوة ثقة مع المؤسسات يظل هذا الجيل هو رهان الأردن الأكبر في مئويته الثانية، ما بين مسارات التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر وبرامج التمكين السياسي، يتوقف المستقبل على إغلاق دائرة متكاملة تبدأ بالتعليم وتنتهي بالتمثيل والعمل اللائق. فكيف ينجح الأردن في تحويل الفرصة الديموغرافية إلى قصة نجاح وطنية؟

يشقّ الأردن طريقه إلى مئويته الثانية وهو يحمل طاقة بشرية استثنائية؛ فالشباب ما بين الثانية عشرة والثلاثين يشكّلون أكثر من ثلث السكان، ما يضعهم في قلب معادلة الاستقرار والنمو معاً. هؤلاء لا يريدون أن يكونوا مجرّد حقل تجارب لبرامج عابرة، بل شركاء كاملي الأهلية في رسم السياسات وصنع الفرص.

وعلى الرغم من أن نسبة البطالة العامّة انخفضت قليلاً خلال عام 2024، فإن بطالة الشباب لا تزال تلامس نصف هذه الفئة تقريباً، وتنعكس مباشرةً على ثقتهم بالمؤسسات ورغبتهم في الهجرة، خلف هذا الرقم الاقتصادي الجافّ تختبئ حكاية إحباطٍ متراكمة، لكنها أيضاً تحمل إمكانية تحوّل إيجابي إذا أُحسنّا إدارة المسار.

يُظهر «الباروميتر العربي» الأخير أن أكثر من نصف الشباب الأردني يفكّرون بجدّية في المغادرة بحثاً عن أفق عمل أوسع، إلا أن الدراسة نفسها ترصد زيادة ملحوظة في الاستعداد للمشاركة العامة، ولا سيما عبر المنصّات الرقمية، هذه المفارقة تكشف أن الانتماء الوطني لم يتراجع بقدر ما تغيّرت أدوات التعبير عنه: صار الفضاء الإلكتروني برلماناً موازياً ينقل هموم البطالة وكلفة المعيشة، ويقاطع سلعاً، ويقود حملات تضامنية عابرة للحدود.

الشباب الذين يحصلون على فرصة عمل لائقة يطورون درجة أعلى من الثقة بالدولة، وتقل رغبتهم في الهجرة، كما تشير التجارب المقارنة في إيرلندا والبرتغال. وبحسب تقديرات منتدى البحوث الاقتصادية، فإن خفض بطالة الشباب عشر نقاط مئوية من شأنه إضافة نقطة مئوية كاملة إلى معدل النمو السنوي خلال السنوات الخمس المقبلة ، أي ما يكفي لتخفيف الضغط عن المالية العامة وتمويل برامج اجتماعية جديدة.

وإذا نظرنا إلى الأفق حتى عام 2030، نجد ثلاثة مسارات محتملة:
1. مسار التحول الرقمي الشامل: حيث تنجح الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في استقطاب شركات إقليمية إلى المجمعات التكنولوجية، فتظهر طبقة وسطى شابة تقود الابتكار المحلي وتنعش الاقتصاد المعرفي.

2. مسار الاقتصاد الأخضر: إذ يربط الأردن التدريب الرقمي بمشاريع الطاقة المتجددة والمياه، مستفيداً من آلية تمويل المناخ للشباب التي أُطلقت في عمّان عام 2024، ما يفتح سوق عمل جديداً في المحافظات الجنوبية والشرقية.
3. سيناريو الركود المؤقت: حين تعوق التحديات الإقليمية وارتفاع فاتورة الطاقة قدرة الحكومة على التوسع في برامج التشغيل، فيدور الشباب في حلقة مفرغة من التدريب غير المنتج.

تفادي السيناريو الثالث يتطلّب شراكات أعمق مع القطاع الخاص، وحوكمة أكثر شفافية للمبادرات، وتجاوز البيروقراطية التي لا تزال تعيق الكثير من البرامج، كما أن ردم فجوة الثقة بين الشباب وصنّاع القرار يظل شرطاً لا غنى عنه لأي مسار إيجابي.
من منظور استراتيجي، ثمة أربعة محاور لتثبيت المسار الإيجابي:
1. إنشاء بوابة رقمية موحدة تدمج جهود الوزارات والصناديق والمبادرات، بحيث يتابع الشاب رحلة التطوير والعمل في منصة واحدة، وترتفع قدرة الدولة على القياس والمساءلة.
2. تقنين حضور الشباب في الأحزاب والمجالس المنتخبة عبر كوتا عمرية تضمن تمثيلاً حقيقياً لا رمزياً، وتتيح لهم اختبار أدوات العمل السياسي من الداخل — وينبغي أن يتحوّل هذا المقترح إلى بند صريح في مشاريع قوانين الأحزاب والانتخاب القادمة.

3. نشر تقارير فلية مبسطة حول نسب الإنجاز والإنفاق في جميع البرامج المتعلقة بالشباب، ما يحصّن الثقة ويضبط التوقعات.

4. تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تفتح فروعاً في المحافظات وتشغّل أو تدرب الشباب المحلي، فتتحول التنمية من مفهوم مركزي إلى ممارسة متوزعة.

ورغم ضخامة التحديات، يلوح في الأفق مسار إيجابي يستند إلى معطيات واقعية: بنية تحتية رقمية متطورة، موارد بشرية شابة، وبيئة إقليمية تتجه إلى اقتصاد المعرفة والأخضر معاً، إن تحويل الشباب من «مواطِن متلقٍ» إلى «فاعل شريك» لن يتحقق بالشعارات، بل بإغلاق الدائرة التي تبدأ بالتعليم وتصل إلى التمثيل السياسي، مروراً بالعمل اللائق.

بين يدي الأردن اليوم فرصة نادرة: أن يبني مئويته الثانية بأيدي شبابه، لا فوق ظهورهم، ولأجل ذلك، لا بد أن يُكتب شعار " ابتكر لتبقى" بالأفعال من قاعات التعليم المهني والرقمي، إلى مقاعد التمثيل السياسي، مروراً بفرص العمل اللائق حينها فقط سيغدو طموح 2030 واقعاً يعيشه الجميع.



عدد المشاهدات : (5613)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :