رم - أحمد عبدالباسط الرجوب
إنجاز وطني يتجاوز المستطيل الأخضر - تحدٍّ كبير.. وإرادة أكبر
في إنجاز رياضي وطني استثنائي، تأهل المنتخب الأردني لكرة القدم إلى التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم 2026، والذي سيُقام في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذا التأهل لم يكن مجرّد فوز رياضي، بل قصة نجاح وطنية شاملة، تُجسّد كيف يمكن للكفاءة، والالتزام، وروح الفريق أن تتفوّق على المال والإمكانات المحدودة.المنتخب الأردني دخل التصفيات دون موارد ضخمة أو ملاعب فاخرة، معتمدًا على ملاعب الترتان والعشب الصناعي، بالإضافة إلى محدودية الدعم اللوجستي والمالي. هذا الواقع قُوبِلَ بإرادة صلبة، مكّنته من التفوق على فرق عربية أخرى تمتّعت بوفرة مالية وترف لوجستي، لكنها فشلت في بلوغ منصة التأهل إلى المونديال العالمي، ليتصدّر الفريق مجموعته بأداء استثنائي.
سرّ الانتصار: كفاءة بلا مساومة - كيمياء الفريق": السلاح السري
لم يكن السرّ في التجهيزات، بل في المنهجية الرصينة والاختيارات الحاسمة. تمت إدارة الفريق بجودة فنية عالية، بدعم رسمي حكيم تمثل في توفير المستطاع وتهيئة الأجواء – دون أي تدخل في التشكيل أو القرارات الفنية. الأهم: تم اختيار اللاعبين حصريًا على أساس الكفاءة، دون محاباة أو ضغوط. هذه النقاء أتاح تشكيل فريق منسجم، يعمل كجسد واحد، يقدّم المصلحة العامة على أي اعتبار.تجسّدت روح التضحية في لقطةٍ خلّدتها الكاميرات: تنازل موسى التعمري عن ركلة جزاء لصالح زميله علي علوان، ليمنحه فرصة إحراز الهدف. هذا التصرّف – الذي أردد دائمًا أنه يختزل مقولتي: "روح الفريق تصنع كل الفارق" - "Team spirit makes all the difference" - هو جوهر "الكيمياء" التي حوّلت مجموعة موهوبين إلى فريق متكامل. فاللاعبون، رغم مهاراتهم الفردية الباهرة التي أبهرت المحللين، تجاوزوا الأنانية لصالح التمريرة الحاسمة والهجوم الجماعي، فكانت النتيجة أداءً يتجاوز مجموع أجزائه.
زخم شعبي.. وقيادة تشاركية
هذا الإنجاز أشعل موجة فرحٍ عارمة في الشوارع، لامس خلالها المواطنون أن منتخبهم يمثل قيمهم: الأمل، المثابرة، وعدالة الفرص لأصحاب الكفاءة. الأكثر إلهامًا: حضور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله وسط الجماهير، يهتف ويشجّع كأحدهم، لا من فوق المنصات. هذه الصورة النادرة بعثت رسالةً قوية: القيادة شريكة للشعب، وداعمة للفريق كشركاء في الوطن، لا كمراقبين.
تسويقٌ للأردن.. أقوى من كل الشاشات!
يُضاف إلى زخم الإنجاز بُعدٌ استراتيجي: تأهل المنتخب (بقلبه النابض من 11 لاعبًا) للمونديال سيكون فرصة ذهبية لتسويق الأردن سياحيًا وثقافيًا على المنصة العالمية، بطريقة عضوية وصادقة لم تُحققها الحملات الإعلامية رغم كثرة "الجهابذة" فيها – يا له من دليل ساطع على قوة الإنجاز الحقيقي! سيكون اللاعبون سفراء غير مأجورين، يعرضون جمال الأردن وإصدار أبنائه لعيون الملايين.
استثمار المستقبل: الأكاديميات.. مصنع الأبطال
كي لا يبقى الإنجاز منعزلاً، يجب تحويله لاستراتيجية وطنية طويلة النفس. البداية: الاستثمار الجاد في الفئات السنية (من تحت 10 سنوات فما فوق)، عبر إنشاء أكاديميات متطورة بمدربين عالميين، لبناء "خزان بشري كروي" يضمن تجدد دماء المنتخب الوطني (الوطني الأول) واستمرارية تميزه لعقود قادمة.
خارطة طريق: من النجاح الرياضي إلى النهضة المؤسسية
هذه التجربة ليست مجرد لحظة ابتهاج؛ إنها نموذج إداري متكامل يجب أن يكون نبراسًا للحكومة. على الدولة أن تتبنى هذا المنهج القائم على ثلاث ركائز: روح الفريق الواحد، الاحتكام للكفاءة لا الواسطة، والتلاحم الحقيقي بين القيادة والمواطن. تطبيق هذا الثالوث في مؤسسات الدولة هو الطريق لتحقيق إنجازات مماثلة في كل المجالات.
الورقة النقاشية السادسة: الدستور العملي للكفاءة
هذا المسار يجد سندًا فكريًا رصينًا في الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني، التي أكّدت أن دولة القانون تُبنى بوضع "الشخص المناسب في المكان المناسب"، وأن الكفاءة هي المعيار الأوّل والأخير في كل موقع – قبل الواسطة أو المحسوبية.
ختاما : يا دولة الرئيس: دعوا الكفاءة تقود.. وستُذهلون بالنتائج!
الخلاصة التي نرفعها لمكتبكم الكريم: إذا أراد الأردن أن يحقّق معجزات في التنمية والإدارة كما حققها في الملاعب، فالعبرة واحدة: دعوا الكفاءة تقود، امنحوا العمل الجماعي مساحته، وارفعوا شعار "الفريق أولاً" في كل وزارة ومؤسسة. النتائج – يا دولة الرئيس – ستكون مشرّفة في الاقتصاد، التعليم، الصحة، المياه،... وكل الميادين، تمامًا كما كانت في ملعب كرة القدم. فهل نبدأ من هنا؟
باحث وكاتب اردني