شعاع الليزر لإسقاط الصواريخ والمسيرات !


رم -
مهدي مبارك عبد الله

منذ تعرضها لنيران صواريخ سكود العراقية في حرب الخليج عام 1991 بدأت إسرائيل في استخدم دروعا دفاعية متعددة المديات والطرازات واليوم وفي تصور تقني متقدم يعيد إلى الأذهان بعض اللقطات المذهلة من ( فيلم حرب النجوم ) يبدو وكأنه خيال علمي لكنه بالفعل حقيقي بعدما قامت إسرائيل عن طريق شركة رافايل لأنظمة الدفاع المتقدمة بالتعاون مع شركة لوكهيد مارتن الامريكية بتصنيع درع صاروخي يعتمد على تقنية الليزر يعرف باسم ( إيرون بيم ) أي ( الشعاع الحديدي ) او الدرع الضوئي أو منظومة الصاعقة أو سور الليزر وهو شعاع ليزري عالي القوة يوجه لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة وقذائف الهاون ليشكل إضافة فعالة لدفاعات إسرائيل بخلاف منظومات القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم الذي يمكنه التصدي للصواريخ في الجو وكذلك إسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى

في منتصف نوفمبر من عام 2023 تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عن أشعة ضوئية ظهرت في سماء إسرائيل قال عنها خبراء عسكريون إنها الحالة الأولى للنظام المضاد للصواريخ بالليزر والذي سيتمكن من اصطياد المسيرات والصواريخ والقذائف قصيرة المدى التي تطلقها الفصائل الفلسطينية من غزة وعناصر حزب الله من جنوب لبنان ( لأول مرة في العالم يتم تطوير نظام ليزر ظهر في إسرائيل ( وقد خصصت الولايات المتحدة 1.2 مليار دولار لدعم تطوير هذه النظام

البيانات العسكرية وتصريحات الشركة المصنعة تفيد ميدانيا بان منظومة الشعاع الحديدي أصابت أكثر من تسعين في المائة من أهدافها المنتخبة ويمكنها اعتراض الصواريخ المضادة للدبابات فضلا عن المركبات غير المأهولة مثل المسيرات ولا يزال هنالك تكتم شديد بشأن متى واين وكيفية نشر هذا السلاح وان اسرائيل لن تستطيع استعماله خلال حربها في المدى المنظور وقبل الموعد المحدد بشكل رسمي نهاية العام الحالي 2025 لكن استخدامه الفعلي بدأ قبل ذلك بكثير بتجارب متنوعة

قبل نحو عامين تم تشغيل النظام لفترة تجريبية محدودة حيث اجتاز سلسلة من الاختبارات أثبتت قدرته التشغيلية باعتراض صواريخ وطائرات مسيرة أطلقها حزب الله في المواجهات مع اسرائيل لكن هذه المنظومة عمليا لا تزال بحاجة إلى مزيد من الاختبارات الميدانية المكثفة لتقييم مدى فعاليتها بشكل اكبر وخصوصاً في التعامل مع اسراب متعدد من المسيرات او الصواريخ التي تطلق بشكل متزامن لإرباك المنظومات الدفاعية العادية وهي الاستراتيجية التي تستخدم بكثرة من قبل أطراف المقاومة ( الاغراق الصاروخي )

بعد فشل منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية المتواصل في عملها كونها مصممة اصلا لاعتراض الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى وليس لمواجهة الطائرات المسيرة ما وضعها في مواقف معقد أمام موجات الدرونز التي تتطلب أنظمة دفاعية ذات طابع مختلف تماماً من حيث الرصد والاعتراض حيث باتت الطائرات المسيرة بكل اشكالها وانواعها بمثابة ( سلاح جو الفقراء ) الذي يشكل التحدي الاستراتيجي البارز لمنظومات الدفاع التقليدية والحديثة في ميادين القتال المختلفة

خصوصا في المواجهات التي شهدتها أوكرانيا وغزة وجنوب لبنان بما تميزت به من تكنولوجيا رخيصة وخفة في الوزن وفعالية عالية في القصف حيث أصبحت قادرة على حمل ذخائر وصواريخ وقد ادخلت مفهومً جديد في سياق الحرب غير التقليدية وهو ما زاد من تعقيد التحدي أمام الجيوش النظامية وفرض على الدول ومنها إسرائيل التحرك سريعاً للبحث عن حلول تقنية وعسكرية لاحتواء هذا التهديد الخطير والتفكير في كيفية التعامل معه ومواجهته

خلال الحرب الأخيرة وبعد عملية طوفان الاقصى أطلقت إسرائيل مسابقة وطنية شارك فيها مراكز أبحاث ومختبرات علمية وشركات مختصة لإيجاد حلول فعالة في مواجهة سلاح المسيرات المتطور والرخيص ومن بعض الاقتراحات التي تم تداولها كانت لافتة في طبيعتها مثل محاولة تدريب النسور لاصطياد المسيرات في الجو كما حدث في هولندا أو اللجوء إلى تقنيات إطلاق الشِباك لتعطيل مراوح الدرونز وكذلك جرى تطوير منظومات للتشويش الإلكتروني في محاولة لتعطيلها إلا أن أغلب هذه الحلول لم تحقق نتائج حاسمة

التوجه الجديد نحو استخدام تقنية أشعة الليز لإسقاط المسيرات يمكن اعتباره نقلة نوعية في عالم الحروب الجوية لأنه سيكون الأكثر نجاعة وفعالية خاصة من حيث كلفته المنخفضة ( 3-4 دولارات مقابل 50 ألف دولار ) عند استخدام منظومة القبة الحديدية بالإضافة الى سهولة استخدامه حيث لا يتطلب سوى مصدر طاقة لإطلاق شعاع يعطل الهدف بدقة ويعتمد الليزر على مفهوم التكامل الكلي مع أنظمة الرصد الرادارية الدقيقة لتحديد موقع الهدف ومساره وتغطية مساحات واسعة والتصدي لعدة أهداف في وقت واحد وهو ما يقلل الاهدار من الذخائر التقليدية مرتفعة الكلفة

إسرائيل تسعى إلى أن يكون نظام ( إيرون بيم ) للدفاع الجوي إضافة جديدة إلى دفاعاتها الجوية الحالية القائمة على أنظمة القبة الحديدية الشهيرة ومقلاع داود بعيد المدى وسهم 3 والتي تطلق صواريخ اعتراضية يكلف الواحد منها ما بين عشرات الآلاف وملايين الدولارات في حين كل اعتراض يتم تنفيذه بواسطة نظام الليزر سيكلف حوالي اربع دولارات فقط وسيشكل الشعاع الحديدي المستوى الخامس من منظومة الدفاع الصاروخي المتكاملة لدى الجيش الاسرائيلي

الثابت تجريبيا ان مدى الشعاع الحديدي يصل إلى ما يزيد قليلًا عن الميل وربع وهو يستخدم الرادارات أولًا لتعقب الأهداف قبل التحول إلى الكاميرات الحرارية ويمكن استعماله في نفس المكان أو تركيبه على الجزء الخلفي من شاحنة ولأنه سلاح ليزري فإن بإمكانه أن يستمر بالإطلاق لطالما توفرت لديه الطاقة الكهربائية اللازمة لذلك وهذا ما يجعله مثاليًا للدفاع ضد الهجمات التكنولوجية المنخفضة التكلفة ورغم أن النظام نفسه مكلف من حيث التصنيع لكن استخدامه على الأغلب سيكون أرخص من الأسلحة التي سيدمرها

نظام القبة الحديدية يطلق صواريخ اعتراضية موجهة بالرادار إ في حين أن أشعة الليزر التي يطلقها نظام الشعاع الحديدي تقوم بتسخين رؤوس القذائف الحربية التي يصل مداها إلى سبعة كيلومترات إلى درجات حرارة فائقة والصاروخ فيه ينفجر فور اصطدامه بالهدف لكن نظام الليزر على العكس يحتاج الى عدة ثوانٍ فقط للاتصال باي جسم صلب وتوليد طاقة كافية لتدميره بالكامل

جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على منظومات دفاع جوي متعددة الطبقات لاعتراض الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد وقد استثمر على مدار السنوات الماضية في بناء وتطوير منظومة الليزر لتكون درع إسرائيلي في مواجهة هجمات الصواريخ والمسيرات التي لا يتجاوز وزن بعضها 2 كلغ والتي يمكنها العمل ضمن شعاع 10 كلم و نقل صور عالية الجودة بشكل حي ومباشر

الصواريخ والمسيرات التي اطلقت من قطاع غزة وجنوب لبنان وجنوب ووسط سوريا سابقا وايران واليمن كشفت مدى ضعف وهشاشة البنية التحتية لأنظمة الدفاع الإسرائيلية على الرغم من امتلاكها دفاعات جوية فائقة والأكثر تطورا في العالم حيث كانت تحلق صواريخ سكود و كروز والطائرات المسيرة بمستويات منخفضة وقريبة من سطح الأرض بحرية ولا يمكن رؤيتها بسبب انحناءات الأرض ولكون الطائرات بدون طيار صغيرة جداً وليس لديها توقيع او بصمة حرارية لرصدها من قبل الرادار كما تمتلك المسيرات تقنية التخفي عن طريق عكس إشارات الرادار إلى جانب سرعتها العالية فإن لديها القدرة على المناورة أثناء التحليق على طول مسارها وتغيير اتجاهها إلى مسارات اخرى غير متوقعة مما يصعب تعقبها واعتراضها ناهيك عن نتائج التصدي لهذه الطائرات على المناطق الحضرية لا سيما إذا كانت مزودة بالمتفجرات

منظومتي ثاد الأميركية وحيتس الإسرائيلية حاولتا اعتراض الصاروخ اليمني الذي تجاوز أربع طبقات للدفاع الجوي وسقط في قلب مطار بن غوريون وفي حالة إغراق المنظومات الدفاعية برشقات الصواريخ فمهما بلغ نظام الدفاع الجوي من القوة والدقة فإن لديه سقف محدد لقدرته على التصدي ثم يبدأ في فقدان فاعليته عند تجاوز هذا السقف ويدخل في حالة الإجهاد إذا أُطلق عليه عدد كبير من القذائف او المسيرات في وقت واحد ليفقد فاعليته الكلية

هنالك عوار استراتيجي كبير في منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة ( القبة الحديدة ومقلاع داود والسهم ) والتي تسوق إسرائيل لها بأنها الأفضل في المنطقة ولهذا شرعت مؤخرا بإجراء تجارب جديدة لمنظومة دفاع الشعاع الحديدي التي تعمل باليزر وتعتمد على منصات أرضية وعلى أسطول من المسيرات تعمل على استهداف الصواريخ وقذائف الهاون التي لا تستطيع منظومة القبة الحديدية اعتراضها

على الرغم من جميع التقنيات الحديثة والمتطورة والرهان عليها كمنقذ وحيد من استمرارية الرشقات الصاروخية واسراب المسيرات القادمة الى اسرائيل من عدة جهات في الداخل والخارج مما جعلها مكشوفة أمام سيناريوهات الإغراق بالصواريخ والمسيرات من دون حماية او حلول جذرية ولهذا ستبقى المدن والمناطق العسكرية الحيوية وقطاعات الجيش في اسرائيل مهددة بالاستهداف والقصف المتواصل طالما استمرت في حربها الظالمة على قطاع غزة وما يرافقها من ابادة جماعية وتجويع ومنع للدواء والتدمير ومحاولة اقتلاع السكان الاصليين من قبل كيان ارهابي ومحتل ومعتدي على الارض والانسان وأن أرض فلسطين المباركة ليست مجرد مساحة جغرافية بل هي حق أصيل لشعب صامد أبي لم ولن يقبل أن يُقتلع من جذوره أو يُسلب وطنه تحت أي ذريعة كانت

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]



عدد المشاهدات : (2380)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :