رم - بقلم : باسم البقور
لم تحظ حكومة دولة جعفر حسان بالإشادة - وهو لا ينتظر ذلك - بقرار صرف السلف الطارئة للمعلمين ، و التي خصص لها ثلاثة ملايين ، و سيتم البدء بصرفها اعتبار من يوم غد ، على الرغم من المرامي الإيجابية للقرار ، مع تأملنا بتوسيع الشريحة المستهدفة و زيادة المخصصات .
لسنا مضطرين لإيراد المبررات لدعم المعلم ، فهو و منذ الأزل الرافعة الرئيسة في تقدم و نهوض المجتمعات و يستحق الأفضل، و من منا لا يختزن هيبة و قامة المعلم ، الذي كان و لا يزال في الذهنية الأردنية التاريخية المرجعية الثقافية و الشعبية و الاجتماعية .
وكما هو معلوم ارتكزت الدولة الأردنية الحديثة مؤسسياً على ثلاثية الجيش والتعليم والصحة، وعلى الرغم من تحديات الكلف والتغيرات العالمية في آلية إدارة قطاعي التعليم والصحة إلا أنها لا زالت حتى يومنا خطوطا حمراء لدى أبناء الشعب الأردني و الدولة بأركانها .
وهو ما أشار له جلالة الملك يوماً في حديث ودي أثناء تفقده لأبنائه الطلبة في جامعة اليرموك حين قال : "أنه يعتبر نفسه وسطي, يميل إلى اليمين في السياسات و الدفاع , ويميل إلى اليسار في التعليم و الصحة". كلمات تغني عن الكثير من الكتب والشروحات وهي ممتدة من فهم عميق للروح الاردنية، حيث سلوك رب الأسرة الأردني الذي يبذل الغالي والنفيس في تعليم ورعاية أبنائه، لا سيما أن هذين القطاعين يقدمان بالمجان أو بأسعار رمزية ضمن مظلة مؤسسات القطاع العام في الدولة الاردنية.
وبالعودة لموضوع المقال وهنا اتحدث كمراقب و مواطن فإني أعتقد أن القرار لم يكن سهلا على حكومة تعاني اقتصاديا في ظل ظروف صعبة داخلية و خارجية ، بل كان قرارا جريئا ينم عن نظرة ثاقبة تعرف بعمق ما في بيوت المعلمين الأمناء على فلذات أكبادنا ، و يرمز إلى المسؤولية الوطنية المشتركة و الثقة المتبادلة بين الدولة و المعلم .
وبلا شك يعود بنا القرار الحكومي إلى المشهد الإستذكاري لملف نقابة المعلمين التي اختطفت على يد جماعة الاخوان المسلمين المحظورة ، التي حولت النقابة في حينه من بيت مهني إلى منصة سياسية ، حيث استثمرت القضية العادلة وحولتها إلى ذريعة للتصعيد السياسي ، و أمعنت في تشكيل خطاب شعبوي لإستثارة الرأي العام ضد الدولة و خلق حالة صدام مجتمعي .
و لمن لا يعرف الجماعة ، فهم الأقدر على توظيف لقمة العيش للإستثمار التنظيمي و خدمة أجنداتهم السياسية ، مع احتراف صياغة خطاب المظلومية بغلاف ديني ، و كما شهدنا في حينه استدعاء تعابير الكرامة و الصمود و الحرية بعيدا عن السياق النقابي ، وتحت هذا الوابل من القصف الاعلامي الداخلي والخارجي نجحوا في جر الرأي العام وراء الجماعة التي كانت تدير معركتها من خلف الستار ، حتى تحقق لها الإضراب الذي سعت من خلاله لتعطيل عمل الدولة واحتفلت به في مقرها الرئيسي في العبدلي .
فكان الاختبار الصعب آنذاك على الدولة ، حين مارست أقصى درجات ضبط النفس بمواجهة كيفية القدرة على الصمود في وجه مخطط اختطافي من الداخل و الحفاظ على هيبتها ، مقابل جماعة تمترست خلف مطالب المعلمين وحولتها الى أداة سياسية من خلال إضراب لم يبن على استفتاء قاعدي حقيقي بل بتعليمات إخوانية داخلية و خارجية ، لتجعل من الدولة الخصم و المعلمين جنود في "معركة الحق" ، لكن خابوا وخاب سعيهم فكانت الدولة الأم لا الخصم و فوّتت عليهم الفرصة .
خاتمة القول ، شكرا للدولة الأردنية على العطاء دون المزايدة ، و لحكومة جعفر حسان لهذا القرار ، ليس لأنه إجراء مالي بل لأنه تعبير صادق عن تلمس ظروفنا المعيشية ، و كلنا في الهم شرق.