الوزني يكتب : متلازمة الفرص والأزمات


أ.د. خالد واصف الوزني


تنبلج عقب كلِّ أزمة آفاقُ فرصٍ لا حصر لها، يأتي بعضها بشكل متوقَّع، ويعتمد بعضها الآخر على الريادة والمبادرة والاقتناص. المنطقة العربية لم تهدأ يوماً منذ فجر تاريخها كمنطقة، موحَّدةً كانت أم مُجزَّأة بفعل نزاعاتها أو بفعل النزاع عليها؛ فالأزمات والتوترات تستوطن بعض بلادها منذ تكوينها، أو تنتقل من بلد إلى آخر بمعدل لا يزيد على خمسة أعوام، إلا ما رحم ربي. الشاهد أنَّ الفُرص تتلازم مع الأزمات،

خلالها وبعدها. ولعلَّ منطقة الهلال الخصيب من العراق إلى مصر كانت منذ فجر تاريخها العربي الأكثر تجسيداً لمتلازمة الفرص والأزمات.

وتشهد هذه المنطقة، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم، أزمات متلاحقة لم تهدأ يوماً ولم تستقر. على الصفيح الساخن اليوم إرهاصات الخروج من تبعات الثورة السورية التي امتدت لنحو عقد ونيِّف، وباتت اليوم منبع الفرص الكبرى، ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة جميعاً. ويمكن القول إنَّ متلازمة الفرص والأزمات السورية هي أكبر بوابة للخروج من ضعف النمو في الاقتصاد العربي، ليس فقط في منطقة الهلال الخصيب، بل على المستوى العربي للمنطقة، وخاصة في الخليج العربي وتركيا.

الحديث اليوم عن فُرص تزيد قيمتها على 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، قد يكون نصفها لغايات البناء والتعمير، ونصفها الآخر موزَّع على القطاعات الحقيقية الأخرى المتعلقة بالطاقة والمياه والزراعة والسياحة والصناعة. وقد أُعلِنَ فعلياً عن اقتناص العديد من الفرص في مجالات متعددة، منها في مجال الموانئ في طرطوس واللاذقية بما يزيد على مليار دولار، وفي قطاع الكهرباء بنحو7 مليارات دولار، وفي مجالات الطيران والمطارات بنحو 400 مليون دولار، وفي مجالات المدن الصناعية، والمدن الاقتصادية الخاصة بمليارات الدولارات.

الرياديون في هذه المشاريع جميعها جاؤوا من دولة الإمارات، وقطر، والسعودية، وفرنسا، والصين، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. ما يمكن تسميته متلازمة الفرص والأزمات Opportunities & Crises Syndrome هو واقع نراه، بيد أنَّ مَن يقطفها اليوم هو الأكثر فراسة، وحكمة، وقدرة، وحصافة. يُقال بالعامية في الإمارات، وفي بعض الدول الخليجية «من سبق لبق»، أي من الذكاء اغتنام الفرص أولاً، وهي مقولة تُعبِّر عن أنَّ الشخص الذي يسبق الآخرين إلى فعل شيء أو قول شيء هو الأذكى أو الأكثر لباقة (أي الأقدر على التصرُّف بذكاء ولباقة).

الفرص من انبلاج فجر جديد في سوريا كبيرة، وهي لن تكون فحسب مفيدة ومعنوية ومطلوبة للاقتصاد السوري من حيث النمو والتنمية معاً، بل ستكون مخرجاً لكافة الدول حول سوريا، بل وفي المنطقة العربية ككل، لتحقيق معدلات نمو كبيرة، واستثمار الفوائض المالية الفردية والسيادية، وتحقيق اختراقات نوعية في معدلات النمو، وفي العوائد، وفي التشغيل، وفي الخروج من أزمة البطالة بين الشباب.

هناك مشاريع كبرى وضخمة وحيوية ونوعية في كافة المجالات والقطاعات الخدمية، الزراعية والصناعية، مَن يسبق إليها يَفُزْ بها، ويَغْنمْ منها الكثير، وهو سباق محمود ومطلوب، وقد بدأ بالفعل بين دول الفوائض، ودول المصالح. بيد أنَّ التحدي الأكبر أن تستفيد دول الجوار السوري من تلك المتلازمة، ولكن ذلك يتطلَّب الخروج من الأزمات الوطنية في بعض دول الجوار والمتأتية لدى البعض من معارك داخلية سياسية وعسكرية وطائفية، في حين يشكو البعض الآخر من عوارض البيروقراطية المتحجرة، وضعف الأداء، وثقل الحركة، وبيروقراطيات العمل، ومحدودية القدرات الإدارية، وضيق الأفق في بعض مواقع القرار، والتمسُّك بجمود النصوص. والمحصّلة أن تستيقظ دول الجوار السوري في الهلال الخصيب وقد أوسعوا العالم نشاطاً وحراكاً، وحديثاً، ومشاعر، وفاز غيرهم بالمغانم والمشاريع والمصالح.

أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة

كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومي




عدد المشاهدات : (5933)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :