المهندس عادل بصبوص
في مثل هذا اليوم السابع والعشرين من شهر آذار قبل ثلاث سنوات، باشرت بكتابة سيرتي الذاتية والتي صدرت بعد ذلك ككتاب بعنوان "دورا سلوان وادي السير وبالعكس" عن دار "الآن ناشرون وموزعون"...
لقد جاءت فكرة الكتابة بمحض الصدفة تماماً فلم يكن يخطر ببالي يوماً أن أكتب سيرتي الذاتية ... فمن أنا حتى أفعلها ... فالسير الذاتية تكتب عادة من قبل المشاهير من القادة والسياسيين والكتاب والفنانين، ومن مثلهم من الشخصيات التي تركت أثراً أو بصمة في مجتمعاتها .... أنا مجرد شخص عادي مثله مثل العشرات بل المئات والآلاف من الأشخاص في مجتمعنا وبيئتنا الذين نشأوا من عائلات فقيرة ثم عملوا على تحسين ظروف معيشتهم ومعيشة أسرهم من خلال الالتحاق بركب التعليم والمعرفة وكابدوا في سبيل ذلك الكثير من الضنك والمعاناة ...
بدأت الحكاية بكتابة نص أدبي لا يتجاوز بضع مئات من الكلمات على صفحتي على تطبيق "فيسبوك" تضمن وصفاً للجوء أسرتي إلى قرية "دورا - الخليل" بعد أن تم تهجيرها من بلدتنا المجاورة "الدوايمة" عام 1948، كما تعرض النص لظروف اللجوء الصعبة التي عانت منها أسرتي، ثم مجيئي إلى هذه الحياة في أواخر الخمسينات من القرن الماضي.
لقد دهشت وسعدت كذلك بردود الفعل الإيجابية والمشجعة من الأصدقاء والمتابعين على النص المنشور، مما دفعني لمتابعة الكتابة على حلقات بواقع حلقة واحدة كل ثلاثة أيام حتى انتهيت من كتابة سيرتي الذاتية كاملة مع نهاية اليوم الأخير من الشهر الأخير من عام 2022، وهنا لا أملك إلا أن أتوجه بعظيم مشاعر الشكر والامتنان لأصدقاء وصديقات واكبوا عملية الكتابة وتابعوها حلقة بحلقة ولم يتوانوا عن تقديم الدعم والتشجيع المستمر فهم شركاء أساسيون في إخراج هذا العمل إلى حيز الوجود.
سأتحدث بإيجاز شديد عن مضمون الكتاب لأقول إنه شمل أربعة محاور رئيسية الأول سياسي وصف عملية النزوح من الضفة الغربية عام 1967 وما قبلها من أحداث بعيني طفل في العاشرة من عمره قطع المسافة من سلوان – القدس إلى جسر الملك حسين على نهر الأردن ماشياً على قدميه نصفها بفردة حذاء واحدة، ثم ما تلا ذلك من أحداث سياسية بدأت بعركة الكرامة وانتهت بأحداث أيلول 1970، والمحور الثاني اجتماعي لأسرة عاشت مرارة الفقر والحرمان واستطاعت بالصبر والكفاح والمثابرة وحسن الإدارة تخطي هذه المرحلة والانتقال إلى مستوى معيشة أفضل، أما المحور الثالث فهي إنساني بحت لفتى عرف الحب في صباه ثم تزوج وأنجب أبناءً وأحفاداً واستمتع بدفء الحياة الأسرية ثم ذاق مرارة الفقد برحيل والديه وشقيقه الأصغر، أما المحور الرابع والأخير فهو "فني مهني" لموظف عمل في القطاع الحكومي ستة وثلاثين عاماً ونيف وتعامل مع التحديات والفرص المتصلة بذلك إضافة إلى العيوب التي يعاني منها القطاع العام.
لا يجوز لي أن أقيم الكتاب فأنا من قام بكتابته والأمر يعود للقراء وللنقاد والمتخصصين كذلك، أما بالنسبة للقراء فقد كانت ردود الفعل والتقييمات في منتهى الإيجابية سواء ممن تابع حلقات الكتاب عند نشرها على "الفيسبوك" أو من قرأ الكتاب بعد طباعته ونشره، ومع أهمية هذه الآراء وتلك التقييمات واحترامي لها فهي ليست كافية لتقييم هذا العمل وأي عمل أدبي بالرغم من أن الكاتبة الجزائرية تقول في هذا المجال "لا أعترف بغير القارىء ناقداً"، لذا فقد كنت مهتماً أن يتم التقييم أيضاً من نقاد ومتخصصين، بيد أن حقيقة أن الكاتب هو شخص غير معروف وهو من خارج الوسط الأدبي قد حالت دون قراءة الكتاب ومراجعته من قبل جمهور النقاد والمتخصصين في الساحة الادبية المحلية الأردنية والتي بدا لي أنها لا ترحب كثيراً بالقادمين الجدد إلى هذه الساحة، على الرغم من ذلك فقد سعدت بمراجعة للكتاب قام بها الكاتب الفلسطيني يوسف الشايب، حيث نشر هذه المراجعة في يناير 2024 في مجلة "الناشر الإسبوعي" التي تصدر عن هيئة الشارقة للكتاب، ثم أعاد نشر ملخص لهذه المراجعة في آذار 2024 في صحيفة الأيام الفلسطينية وكذلك في صفحة منصة فلسطين الثقافية، كذلك قامت الكاتبة رقية العلمي بنشر مراجعة لها عن الكتاب في تشرين ثاني 2024 في عدد من المواقع الإلكترونية المتخصصة.
لا أستطيع أن أخفي سعادتي وفخري بالسيرة الذاتية التي كتبتها ليس فقط انسجاماً وتماشياً مع المثل القائل "..... في عين أمه غزال" بل لأنها تمثل بعضاً من روحي وخلجات نفسي، ولأنني عانيت وكابدت في كتابتها نظراً للمحددات والمتطلبات الصعبة المتعلقة بمثل هذا النوع من الكتابة، والتي وجدت كثيراً منها في التوصيفات التالية التي جاءت على ألسنة عدد من المختصين والعارفين في هذا المجال، فقد قيل "أن تكتب سيرتك يعني أن تحاكم نفسك، وأن تبررها أمام قارىء لا تعرفه".
"الأصل في السيرة الذاتية أن تروي للناس الحميمي الفردي بما فيه من مخازٍ وعيوب وأخطاء ومثالب ... الخ، وهذا أمر صعب لأسباب ثقافية واجتماعية، بل هو صعب لان السيرة الذاتية صعبة على النفس مرهقة تتطلب أكثر من الجرأة والشجاعة – الأديب التونسي شكري المبخوت"
"كتابة السيرة الذاتية تعني أن تمنح العالم جزءًا من روحك، لكنه جزء يبقى ملكك إلى الأبد – الكاتبة نوال السعداوي".
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |