فوضى الإعلام الإلكترونيّ: (من يكتب؟ من يقرأ؟)


رم - الدكتورة نفين حلالشه
الجامعة الأردنية


في عصر الانفجار الرقميّ وطوفان المعلومات، أصبحنا نواجه ظاهرةً غريبةً غيرَ مسبوقة، وأفضل ما قد يعبّرُ عنها فوضى الإعلام الإلكترونيّ، تلك الساحة المفتوحة التي أصبح فيها عدد الكُتَّاب يتجاوزُ عدد القُرَّاء.

هذه الظاهرة وضعتْنا أمامَ واقع حتميّ وأسئلة جدليّة حول مستقبل الكتابة والكتّاب والعمق في الطرح في زمن السطحيّة الرقميّة.

في ظلّ هذه الظاهرة لم يعد النجاح حكرًا على الكُتّاب الموهوبين، فقد بات الكلُّ قادرًا على نشر المحتوى، وجمع عدد لا بأس به من المتابعين عبر حِيَل التسويق الإلكترونيّ، ويكتب ما يشاء دون أدنى رقابة على المحتوى والجودة. تغمرُنا في اليوم آلافُ المقالات من كلّ صوب ومِنصّة، وأيّ مقالات تلك التي لا تسعى إلا للانتشار، فالتأثير والنجاح الزائف قد يحدثُ بمساعدة الأدوات الرقميّة وبعض من مهارات الاتّصال في العصر الحديث.

لكن الواقع أنّ الكلَّ يكتب ولا أحدَ يقرأ، وهذه المعادلة هي معادلة العصر الرقميّ المقلوبة.

لقد تحقّقت نبوءةُ أنّ الكلَّ سيصبح كاتبًا لفترة وجيزة بشكل مفرط في عصرنا، لكن مع تعديل جوهريّ: الكلُّ أصبح كاتبًا، لكن دون ضمان أن يقرأ أحد ما كتب. وها هي المِنصات الإلكترونيّة تحوِّل النشرَ من امتياز نخبويّ إلى حقّ للجميع، فانفتح البابُ على مصراعيه أمام مدونين عابرين، وخبراء بعد دقائق من قراءة المنشور، ومؤثّرين وكتّاب يخلطون بين الرأي والشائعة ومفكرين يصنعون الجدل من لا شيء.

المفارقةُ تكمن في أنَّ الأسماء التي تربّعت على عرش الكتابة في الإعلام التقليديّ ما زالت تحتفظُ بمكانتها حتّى في العصر الرقميّ، بينما فشلَ معظمُ من بدأوا مسيرتَهم في العصر الرقميّ في تحقيق نفس المستوى من المصداقيّة والتأثير الطويل الأمد، ولعلها رسالةٌ واضحةٌ بأنّ هذه الأدوات والإمكانيّات ما هي إلا أداةٌ وليست سببًا. أذكر أنّنا كنّا نعرف لمن نقرأ وننتظر مقالاتِه بفارغ الصبر، وها نحن الآن نتمتّع بفوريّة ولحظيّة القراءة لهم.

لماذا يفشلُ كتّابُ العصر الرقميّ في مجاراة أسلافهم؟

برأيي أنّ هناك عدّةَ أسباب عميقة وراءَ هذه الظاهرة، ومنها ثقافة الاستهلاك السريع التي تجعل القارىءَ يستهلك المحتوى بسرعة البرق ثم ينتقل إلى ما يليه، بالإضافة إلى غياب التحرير والمراجعة لدى المِنصات الرقميّة، والتي كانت بمثابة سدٍ ضدَ الرداءة في الإعلام التقليديّ، ومن أهمِّ الأسباب أيضًا ما يُعرفُ باقتصاد الانتباه تلك التي تُجيدها الخوارزمياتُ لتنشرَ المحتوى المثير بغض النظر عن جودته، ممّا يخلق حافزًا للإثارة بدلًا من العمق والصدق، ولا ننسى أزمةَ التمويل التي يعاني منها معظم الكتّاب الرقميين، والتي تدفعهم إمّا إلى التخلي عن الكتابة أو تبني أساليب رخيصة لجذب الانتباه.



عدد المشاهدات : (5019)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :