رم - مع اقتراب موعد وقف حبس المدين حسب التعديلات الأخيرة التي طالت قانون التنفيذ ثار جدلاً واسعاً في الشارع الاردني على إثر هذا التعديل منقسما ما بين مؤيداً ومعارض .
أوضح الخبير القانوني معاذ الرفاعي ،انه في منتصف العام الحالي وحسب تعديلات قانون التنفيذ الأخيرة سيتوقف حبس المدين في الديون التعاقدية مستثنى منها الديون العمالية وإيجارات العقارات حسب ما جاء في نص المادة ٢٢ في الفقرة ه/٢ من ذات القانون وبالإضافة الى حالة أخرى وهي حالة حبس المدين في الديون الثابتة بموجب حكم قضائي نهائي ، والجدير بالذكر أن هذا التعديل لا يمس بالحبس الناتج عن الديون التي تنشى تبعاً للأضرار الناجمة عن الجرائم وفق ما جاء في قانون العقوبات أو اي من القوانين الأخرى المكملة لقانون العقوبات ومن ضمن هذه التعديلات التي طرأت على القانون تقليص مدة حبس المدين في الحالات التي جاز فيها الحبس حيث تم تحديد مدة الحبس لتكون 60 يومًا كحد أقصى عن دين واحد، و120 يومًا كحد أقصى في السنة في حالة تعدد الدائنين .
بالإضافة الا أن هذا القانون إضافة ثلاث حالات يستثنى فيها حبس المدين وهي المدين المفلس أو المعسر،المدين الذي لا يتجاوز مجموع دينه 5,000 دينار، المدين الذي يحمل تأمينات مالية أو رهنًا عقاريًا ، الديون بين أفراد العائلة، مثل الديون بين الزوجين أو الأصول والفروع.
ولكن السؤال الذي يتبادر لذهن الجميع منذ عام ٢٠٢٢ ماهي الضمانات التي ستحل محل حبس المدين ؟
من ضمن الضمانات التي حلت بدل حبس المدين وفق قانون التنفيذ الجديد:-
الحجز على أموال المدين: يمكن للدائنين طلب الحجز على أموال المدين وتحديد مواعيد لبيعها لتسوية الدين.
منع المدين من السفر: يحق للدائنين طلب منع المدين من السفر حتى يسدد دينه.
بالإضافة إلى العقوبات المجتمعية وهو مصطلح حديث نسبياً بنسبة لقانون التنفيذ ومن هذه العقوبات المجتمعية الخدمة المجتمعية ، المراقبة الإلكترونية و التأهيل الاجتماعي إلا أنه ومن وجهة نظري أن مثل هذه العقوبات البديلة غير فعالة في الحقيقة في موجهة موضوعات قانون التنفيذ فعلى سبيل المثال التأهيل الاجتماعي كبديل عن حبس المدين يقصد به فرض برامج تأهيل وتدريب لتحسين سلوك المدين فمثل هذه البدائل يتصور تطبيقها في بعض التصرفات التي تشكل جريمة حسب قانون العقوبات والقوانين المكملة له ولا مجال لها في الديون المدنية بالإضافة أن مثل هذه التعديلات من شأنها أن توقف عجلة الاقتصاد
والجدير بالذكر أن ما ينتهجه المشرع الأردني الان – على الرغم من اختلاف البعض من المؤيدين معه من ناحية الحلول والتطبيق – البعض يرى انه المنهج القانوني الصحيح الذي كان واجباً عليه انتهاجه منذ البداية بمجرد انضمام المملكة لاتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصت في المادة ١١ منها "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي"
وحجتهم في ذلك ما جاء في القرار التفسير رقم (1) لسنة (2020) والصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ (29/4/2020) "...... إن المعاهدات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، طالما ظلت قائمة ونافذة، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها، واستوفت الأجراءات المقررة لنفاذها...."
ومن مبرراتهم أيضا أن قضاء محكمة التمييز الموقرة استقر على التأكيد مبدأ سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية
والجدير بالذكر أن اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام (1966) هي معاهدة متعددة الأطراف اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في (23/آذار/1976) تم المصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء الاردني بتاريخ (30/5/2006) وتم نشرها بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (4764) بتاريخ (15/6/2006)، إلا أنها من ناحية دستورية لا يوجد لها قيمة قانونية في ظل النظام القانوني الأردني وذلك استناداً لما جاء في نص المادة (٣٣/ب) من الدستور الأردني حيث جاء ان ". المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية" وبتالي وحسب المادة ٣٣ من الدستور الأردني فان اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حتى تصبح نافذة في المملكة يجب أن تتم المصادقة عليه من قبل مجلس الأمة ابتدأ نظرا لما تحمله في طياتها من مساس لحقوق الأردنيين العامة والخاصة فبتالي وبما أن هذه الاتفاقية لما يصادق عليها مجلس الأمة فإن هذه الاتفاقية غير دستورية على إعتبار أنه لم يتم عرضها على مجلس الأمة للتصديق عليها إستناداً لأحكام المادة (33/2) من الدستور الأردني وبناء على ما تقدم فأن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا يجوز ومن غير الدستوري أن يسمو على قانون التنفيذ كون قانون التنفيذ تمت المصادقة عليه من قبل مجلس الأمة وصدر بطريقة القانونية اللازمة في حين أن العهد الدولي تمت المصادق عليه من قبل مجلس الوزراء فقط
ولو افترضنا جدلاً أن اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تمت المصادقة عليه من قبل مجلس الأمة وبتالي هذه الاتفاقية ستسمو تبعاً لذلك على القوانين الداخلية وبتالي على الاردن الالتزام بما جاء في المادة ١١ من هذه الاتفاقية لكن هذا لا يعني وقف حبس المدين تماماً لان المادة ١١ من هذه الاتفاقية والتي هي ذاتها لما تجيز حبس المدين حددت صفة المدين الذي لا يجوز حبسه الا وهو المدين العاجز عن الوفاء بالتزامه وبتالي المدين الذي يظهر منه تعنت غير مبرر وواضح عن سداد دينه على الرغم من قدرته على سداد هذا الدين جاز حبسه
ومما لا شك فيها أنه ومع وفرة الوسائل والبدائل التي أوجدها القانون كبديل يحل محل حبس المدين الا انها في الواقع العملي غير فعالة وكان لا بد من المشرع الاردن أن يجد حلولاً أكثر فعالية بالشراكة مع القطاع الخاص والجهات الرسمية كتوفير تسهيلات وامتيازات مدروسة بعناية تقدم للمدين المعسر يبتغي منها سداد ما تراكم عليه من ديون بدلا من لجوء الدائن لحبس مدينه
معاذ الرفاعي