الوصايا العشر لكراس تدوم


رم - نضال المجالي


حدثني صديق وقلبه تملؤه غصة بما آلت إليه مؤسسة عمله وغيرها مثلها كثير، مستهلا حديثه بقوله: “إذا أكرمك الله فرصة سواء حظا أو قدرا وسقطت بالبراشوت لتقود مؤسسة عامة رئيسا لمجلس إدارتها او مديرا تنفيذيا، وكانت شركة حكومية أو مؤسسة رسمية أو حتى وزارة، وكان ذلك بتوصية أحد الذوات أو أصحاب مفاتيح المعرفة المسبقة، فكما يقال “تحقيق المنصب أن يذكر اسمك في الوقت والمكان الصحيح ولا علاقة لسيرة إنجاز”، وكان مستندا باختيارك لضمان علمه بجدارتك في قضاء حوائجهم وتلبية رغباتهم الخاصة، إليك بعض الوصايا والمفاتيح التي شهدتها في عدد من تلك الشخصيات في مواقع متنوعة، جعلته صامدا على الكرسي لا تدور عليه الدوائر، بل أصبح رمزا يفتخر به بين العامة وعلى صفحات المواقع الإخبارية.

أولا: أنت لست بحاجة إلى أي خبرات عملية أو معرفة بشؤون المؤسسة، بل حتى لست بحاجة إلى أي ثقافة إدارية، وكل ما عليك أن تقوم به سارع بإصدار قرار إعادة تشكيل الهيكل التنظيمي للمؤسسة، وخلق ما أمكن من شواغر ومناصب أقرب ما تكون على “قد المقاس” للمقربين، بحيث لا يمكن ملؤها إلا من خلال مزاياهم المنقطعة النظير.

ثانيا: اجعل نصيبا من هذه المناصب وسيلة لإسكات بعض الأفواه المحتمل معارضتها لسياساتكم الرشيدة.
ثالثا: عليك البحث عن إنجازات المؤسسة السابقة، لا داعي لتعظيمها، فذلك يحتاج لوقت وجهد ومعرفة انت لا تملك اي منها، وكل ما عليك هنا هو اضافة بعض التعديلات التي لا تمس جوهرها واعادة اطلاقها من جديد كأنها اليوم ولدت.
رابعا: ابحث عن أي ثغرات مرت بها المؤسسة وعالجها، إياك ان تحاول حلها، بالعكس فمعالجتها تكون بنشرها بكل ما امكن من سبل.
خامسا: لما سبق تحتاج ان تكون نشيطا اعلاميا واجتماعيا بكل ما أوتيت من قوه، لا تقلق، اليك الوصفة السحرية لتحقيق ذلك، اختر فريقا او شخصا من المميزين لديك، لقنه الدرس جيدا، لا تترك يوما بدون إشهار اي اجتماع او زيارة وان كانت حتى زيارة لأحد الاصدقاء، ثم لقن ناطقك الاعلامي كيف “يطبخها” بكلام عملي ويغلفها جيدا بعبارات وطنيهةرنانة قبل ان يقدمها للجمهور، ولا تنسى ان تُعدم اي ظهور لاي موظف مثابر فالكرسي لا يتسع لأكثر من بطل أوحد.
سادسا: عليك أن تكسب ثقة أي جهة رقابية وتفتيشية، بادرها وأرسل لها أي أخطاء بالمؤسسة، عززها ببعض الوثائق والعبارات حتى لو كانت غير دقيق، واجعل منها قضايا فساد تمس أي أثر لمن سبقك.
سابعا: أحط نفسك جيدا بالمنافقين والاغبياء، وخصوصا من يصلح منهم ان يكون “بوز مدفع”، وإياك أن تقرب ذوي الخبرات والمعرفة فالوقت لا يتسع لسماع أفكارهم المعقدة.
ثامنا: إياك ثم إياك أن تُثني على احد، فالثناء والتقدير غال لا يستحقه الا رمز المؤسسة، ولكن لك بين الحين والآخر أن تمدح من تحب في أي عمل على أن يكون خارج الإطار المؤسسي.
تاسعا: ابحث عن مزايا الموظفين من مكافآت أو بدلات أو مركبات أو حتى تأمين صحي، عليك أن تجتثها لتؤكد تماشيك مع ترشيد الانفاق فهو واجب مؤسسي، ولك أن تمنح نفسك امتيازات وسفريات خارج اختصاصك ومهام عملك المباشرة أو لأي ممن شئت من طاقمك الذي أثبت ولاءه لرمز المؤسسة الأوحد، ويمكنك ان تُعيد بعضاً منها على شكل زيادة على الرواتب واستثناءات على أن تكون ممهورة بالإرادة لبطل المؤسسة الأوحد.
وأخيرا، لا تنسى أن تستغل ما أمكن من مقدرات مؤسستك في تخصيص جزء للهدايا والعطايا الممزوجة بعبارات وخطابات وطنية لزملائك من اعضاء ذات النادي، فالوطن وان كان لا يسكن إلا في قلوب من أحبه وصدقه إلا انه لكثير من تلك الفئة التي تتعامل به وكانها تملكه قد أتقنت التغني والعطاء لكل من هب هواهم لكرسي جديد.
وعندما أنهى وصاياه المؤلمة بما يلحقها من أذى بحق المؤسسة والشركة والوزارة وكل أبناء الوطن لما فيها من ضياع فرص وتراجع إصلاح وغياب عدالة، تنهدت طويلا وأسندت ظهري على كرسي موقع عملي، مستذكرا أن أجمل الخبرات التي تغادر فيها كرسي الادارة هو احترامك لذاتك بأنك قدمت وتفانيت وأنجزت بصدق وأمانة لموقع العمل، ثم بدأت بعدها بمحاولات مكررة لمراجعة وصاياه العشر لعلي أملك ردا يخفف مما تعيشه بعض شركات ومؤسسات الوطن قبل ما يعانيه من نقلها لي وبقلبه ألم، فتذكرت فجأة أني كنت ملتزما بمغادرة موقعي لقناعتي الكاملة حينها عدم قدرتي الالتزام بوصفته السحرية من وصايا كراسي تدوم للأبد، فتبسمت طويلا بقدر أطول من تنهدي وقلت له أعلم أنه نعيش “عالما لذيذا”، ولكن هناك خطوات حقيقية يبذلها صاحب الولاية العامة دولة الرئيس هذه الأيام نشهدها قرارات جدية نحو “نفض” كافة مجالس الإدارة والإدارات والمؤسسات لشركات حكومية أو تملك الحكومة نسبة فيها، ولعلي أرى نتائجها قريبة، فمن حقق رضى مجتمعيا هو الأعلى منذ عام 2011 ليس بالتغير عنه ببعيد، وعندها انتهى النقاش.



عدد المشاهدات : (4228)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :