رم - رأى خبيران أن رفع العقوبات عن سوريا، لا يتوقف عند الضغط الفرنسي، بقدر ما يرتبط بقدرة الإدارة السورية الجديدة على تحقيق الشروط الغربية الصارمة.
ويأتي الحراك الفرنسي في سياق رغبة باريس باستعادة دورها كلاعب مؤثر في الملف السوري، مدفوعة بمصالح اقتصادية وسياسية أبرزها ملف الغاز والحد من النفوذ الروسي.
جوهر الموضوع
قال الكاتب والمحلل السياسي طارق عجيب، إن المسألة لا تتعلق بنجاح فرنسا في تنفيذ وعود رئيسها إيمانويل ماكرون للرئيس السوري أحمد الشرع، بل تكمن في قدرة دمشق على تلبية شروط طالبت بها فرنسا وأوروبا والعالم.
أكد لـ"إرم نيوز"، أن تلبية تلك الشروط تُعد المدخل الأساسي لبدء عملية رفع العقوبات وتقديم المعونات والدعم المالي وكل ما تحتاجه سوريا في هذه المرحلة الحرجة.
وأضاف عجيب أن فرنسا، رغم مكانتها كدولة كبرى، ولها كلمة مسموعة، إلا أنها ليست الجهة المقرّرة، فهي تستطيع أن تلعب دوراً إيجابياً، إلا أن هذا الدور يظل مرهوناً بتوفر شروط واضحة سبق أن أعلن عنها ماكرون، التي تتضمن محاسبة كل من ارتكب جرائم ولا يزال يرتكب، سواء في ظل النظامين السابق أو الحالي.
وأوضح أن الشروط المطلوبة من الجانب الأوروبي والفرنسي لم تتغير، فالمسألة لا تتعلق بقدرة فرنسا، التي قد تتحرك إذا امتلكت أوراقاً فعلية يمكن طرحها أمام الأطراف الأخرى لتكون وسيلة ضغط وإقناع بأن هناك تغيرات حقيقية وملموسة على الأرض، وليس مجرد تصريحات إعلامية، وهذا ما يطلبه الغرب صراحة، حتى يُتاح لفرنسا وغيرها من الدول البدء بإجراءات تخفيف العقوبات.
وأشار عجيب إلى أن جوهر الموضوع لا يكمن عند فرنسا، بل عند سلطات دمشق، فزيارة الشرع الأخيرة إلى باريس ربما فتحت أبواباً، لكنها لا تزال مشروطة بمدى الالتزام بتنفيذ ما هو مطلوب فعلياً، فالتحفظات الغربية لا تزال قائمة تجاه سلوك سلطات دمشق، لا سيما في ظل استمرار الانتهاكات والتجاوزات اليومية التي تصل جميعها على الغرب.
كما أكد أن التحدي الحقيقي لا يكمن في قدرة فرنسا على إقناع الأوروبيين، بل في قدرة دمشق على أن تقدم ما يُقنع فرنسا والغرب بجدية التحول نحو مستقبل يضمن لسوريا الأمن والأمان والسيادة والاستقرار ووحدة الأرض والشعب بكل مكوناته.
العامل الإسرائيلي
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي كمال شاهين، إن فرنسا تسعى حالياً لاستعادة دورها كوسيط فعال في الملف السوري، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً في ملفات الغاز، وحماية نفوذها في لبنان، ومكافحة الهجرة، والحد من التمدد الروسي.
ومن أجل ذلك قدّم ماكرون وعوداً بالضغط على الدول الأوروبية والولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا، لكنه اشترط في المقابل أن يقدم النظام الجديد ضمانات حقيقية تشمل حماية الأقليات، وتنفيذ إصلاحات سياسية جوهرية تتضمن انتخابات وتعديلات دستورية، على ما ذكر الكاتب لـ"إرم نيوز".
وأضاف شاهين أن تلك الوعود تصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها الموقف الأمريكي، وتتعامل معه بحذر شديد، أما من جهة أوروبا، فدول مؤثرة مثل ألمانيا وهولندا تربط أي تخفيف أو رفع للعقوبات بتحقيق تقدم واضح في ملفات حقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات.
وأوضح أن روسيا، بدورها، قد تعرقل أي مبادرة لا تتماشى مع مصالحها المباشرة، أو لا تضمن لها نفوذاً طويل الأمد، خاصة في الساحل، معتبراَ أن احتمالات النجاح في تنفيذ وعود ماكرون تبدو محدودة في ظل هذه التحديات.
وتوقع شاهين أن يكون هناك تخفيف جزئي للعقوبات ذات الطابع الإنساني فقط، في حين أن الرفع الكامل للعقوبات سيبقى مرهوناً بتحقيق تغييرات جذرية في سلوك النظام، تتضمن إطلاق سراح المعتقلين، والدخول في مفاوضات دستورية شاملة، وهي خطوات لم تتحقق حتى الآن.
وذكر أن هناك عاملاً غير معلن رسمياً، وهو العامل الإسرائيلي، الذي يلعب دوراً محورياً في تشكيل مواقف أوروبا وأمريكا من الملف السوري، فهناك رفض إسرائيلي ضمني لأي تمكين فعلي للرئيس الشرع، رغم وجود تقارير تتحدث عن محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل.