أبو حجر يكتب : (في حضن أم زيتونة)


رم -

بقلم: عاطف أبو حجر


-في سهل "أم زيتونة"، على أطراف الأرض المطلة على ربى رام الله ونابلس، وُلدت الحكاية... صباحٌ دافئ من صيفٍ أردنيّ، تفوح منه رائحة العنب والتين، وتعلو فيه أصوات الحصادين وهم يغنون للخير والعطاء.

وهناك، في بيت الشعر، الذي لا يُغلق بابه، ولا تنطفئ ناره، وُلد المجد من جديد.
بيت جدي خليل موسى أبو حجر (أبو إبراهيم)، ذلك الرجل الأنيق في هيبته، الفصيح في حديثه، الكريم في عطائه، الذي كتب عنه الزمن سطور فخر، وجلس في شقّه الرجال، يستأنسون بكلامه الذي لا يُقاطع.

رحم الله معالي الدكتور سليمان عربيات، الذي ذكره بفخر في مقال نشر في جريدة الدستور قائلاً:"المغاريب: هي مصيف وربيع أهلي، زرعوا فيها كروماً غناء وأشجار التين والزيتون، وزرعوا أرضها بالقمح والتبغ (التين الهيشي) والبطيخ، والفقوس، والبندورة، والبصل والباميا. وفيها السهل والجبل؛ السهل الذي كان أقربائي وجيراننا يبنون فيه بيوتهم وخيامهم (المسوحبة) على امتداد سهل أم زيتونة. كان أصدقاء والدي وأقاربه ينصبون بيوت الشعر محاذية لبعضها، ويقضون سهراتهم في أدوار متبادلة، يستمعون إلى الأشعار النبطية، ودق المهباش، وشرب القهوة العربية. ولكنهم كانوا يفضلون السهر في شقّ أبو إبراهيم، رحمه الله، خليل أبو حجر."
وجدي خليل هو ابن جد والدي، موسى أبو خليل، الرجل الطيب، الراسخ في القيم، الذي عاش زمن العز والرجولة.
كان موسى، رحمه الله، يمتلك "شليّة" من الأغنام والماعز، ويعرفه الجميع في السلط بكرمه ونخوته. وكان يتنقّل بين سهول السلط ووادي الشتاء من أجل الربيع،ولدى وثيقة محررة بتاريخ الحادي والعشرون من ربيع الاول ١٣٠٩هجري الموافق ١٨٩١ ميلادي بمنطقة راس وادي الاكراد بالقرب من موقع التعبئة حاليا بالسلط مكونة من دار وعراق وحاكورة وحوش بقيمة ٣٠٠٠غرش (قرش) عثماني والغرش هي عملة عثمانية تم سكبها من الفضة وطباعتها من الورق في عهد السلطان عبدالحميد عام ١٥٢٠ميلادي وكان الغرش وقتها يساوي ما قيمتة عشرة بارات والبارة هي ايضا عملة عثمانية من الفضة كان وزنها ستة ونصف قيراط ، والمشتري هو جد والدي المرحوم موسى ابن خليل أبوحجر والبائع صليبي ابن المحمود الحامد والبائع والمشتري من حمولة الحياصات والشهود على عقد الشراء هم المرحوم صالح القاسم الاحمد والمرحوم كايد المبارك والمرحوم منيزل ابورمان والمرحوم عبدالقادر الفاعور والمرحوم سليمان الفاعور والمرحوم عباس ابواحميدان والمرحوم عبيدالله أو عبدالله الاحمد الخريسات،رحمهم الله جميعًا وعلى الارجح أن الطوابع والعملة تعود بذلك الزمان للحكم العثماني، فلم يكن الكرم صدفة فينا، بل إرثًا متجذّرًا، يسير في الدم، وتتوارثه الأجيال كما تُورث الأرض والزيتون والحكايات.

في ذلك البيت الطيب، كانت أمي، أطال الله عمرها، تصارع وجع الولادة منذ منتصف الليل، دون أن تشتكي أو توقظ أحدًا، صبرًا وحفاظًا على راحة أبي عبدالرزاق (أبو عاكف)، وجدي وجدتي. لكن مع إشراقة شمس يوم الأربعاء 20 حزيران، اشتد الألم، فأخبرت جدتي هلالة، التي نهضت بفطرة الأمومة، وأيقظت والدي، وجهزوا الحصان لنقلها إلى السلط، لكن الأقدار شاءت أن لا تحتمل أمي المشوار.
عندها صاحت جدتي : "يمه يا عبدالرزاق، نزل مرتك عن الفرس، المرة مستوية... أنا راح أولدها."
ثم نادت عمتي أمينة: "يمه يا أمينة، هاتي الحطب ، ولّعي النار، وسخني ميّه... بدنا نولد مرة أخوكي."

وهكذا، في قلب الحكاية، وفي أرض الكرم، وُلدت الحياة. كانت ولادة جسد، لكنها أيضًا ولادة ذاكرة، ونبض إرثٍ عائليّ لا يُشبه أحدًا.
ذاك الزمن لم يكن عادياً... بل زمن الناس الطيبين، زمن الرجولة الصافية، والنخوة التي لا تُشترى، زمن البيوت المفتوحة والقلوب الدافئة، زمن يُحكى ولا يُعاد.
رحم الله جدي خليل، وجدتي هلالة، ووالدي أبو عاكف، وعمتي أمينة، وكل من رحل من ذلك الجيل العظيم.
وأطال الله في عمر والدتي، التي بصبرها ووفائها، كانت شاهدة على زمنٍ لا يُنسى.
أما أنا، فإن كنت قد وُلدت في بيت الشعر، في ظل الكبار، وبين سواعد الرجولة...
فلي الشرف أن أُكمل هذا الإرث، وأُكرّم هذا الاسم:
خليل أبو حجر... اسمٌ من ذهب،ولد ومات في حضن أم زيتونة.




عدد المشاهدات : (1377)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :