التعليم العالي: ضعف الحوكمة والقيادة الجامعية: تحدٍ إداري في وجه التغيير والتطوير


رم - التعليم العالي في الأردن
واقع وتحديات (5-7)
التحدي الخامس: ضعف الحوكمة والقيادة الجامعية: تحدٍ إداري في وجه التغيير والتطوير

تُعد الحوكمة الرشيدة والقيادة الجامعية الفاعلة من الدعائم الأساسية لنجاح مؤسسات التعليم العالي وتطورها. فهي التي تضمن الشفافية، والمساءلة، والاستدامة، وتوجيه الموارد نحو تحقيق الأهداف الأكاديمية والمجتمعية. إلا أن الواقع يشير إلى أن ضعف الحوكمة والقيادة الجامعية يُشكّل أحد أبرز التحديات البنيوية التي تعيق تطور الجامعات الأردنية، وتؤثر سلبا على جودة التعليم، والبحث العلمي، والتخطيط الاستراتيجي، والعلاقة مع المجتمع وسوق العمل.

مفهوم الحوكمة الجامعية وأهميتها
تشير الحوكمة الجامعية إلى النظام الذي يتم من خلاله توجيه الجامعات والإشراف عليها، بما يشمل السياسات والهياكل والعمليات التي تُحدد كيفية اتخاذ القرارات، وتوزيع الصلاحيات، ومساءلة القيادات، وإشراك أصحاب المصلحة. أما القيادة الجامعية فتمثل الأشخاص والمؤسسات التي تمارس عملية التوجيه واتخاذ القرار، من رئاسة الجامعة ومجلس الأمناء، إلى العمداء ورؤساء الأقسام الأكاديمية.
وفي السياق العالمي، تُعتبر الحوكمة الرشيدة من المعايير الأساسية لاعتماد وتصنيف الجامعات، وهي عامل رئيسي في مرونة المؤسسة، وتحقيق رؤيتها، والتعامل مع التحديات المتغيرة.

ملامح ضعف الحوكمة والقيادة في الجامعات الأردنية
• انعدام الموضوعية في التعيينات: تعاني العديد من الجامعات من انعدام الموضوعية في تعيين رؤساء الجامعات والعمداء، مما يجعل بعض التعيينات غير قائمة على الكفاءة والخبرة، بل على اعتبارات خارجية، تؤثر على استقلالية القرار الجامعي.
• غياب الاستراتيجيات المؤسسية طويلة الأمد: تعاني الكثير من الجامعات من غياب رؤى وخطط استراتيجية واضحة تستند إلى بيانات وتحليل بيئي، مما يجعل قراراتها الإدارية ارتجالية أو قصيرة المدى.
• ضعف استقلالية الجامعات: لا تزال الجامعات، خصوصًا الرسمية، مرتبطة إداريا وماليا ارتباطا وثيقًا بوزارة التعليم العالي، مما يحدّ من قدرتها على التصرف المرن والتخطيط المستقل.
• مركزية القرار الإداري: في كثير من الجامعات، تتركز السلطة في يد الإدارة العليا، بينما تُهمّش الكليات والأقسام، مما يضعف المشاركة ويؤثر على فاعلية القرارات وجودتها.
• ضعف الشفافية والمساءلة: لا تُمارس عمليات مراجعة وتقييم داخلية فاعلة في كثير من الجامعات، ولا تُنشر تقارير أداء حقيقية، كما أن هناك نقصا في المساءلة الإدارية، خاصة فيما يتعلق باستخدام الموارد واتخاذ القرارات الجوهرية.
• ضعف إشراك أصحاب المصلحة: نادرا ما يتم إشراك الطلبة، أو أعضاء هيئة التدريس، أو المجتمع المحلي، أو القطاع الخاص، في صنع القرار أو في مراجعة السياسات، مما يحد من توافق الأداء الجامعي مع تطلعات المجتمع.

الأسباب الجذرية لضعف الحوكمة والقيادة الجامعية
• غياب الإطار التشريعي الناظم للحوكمة الجامعية: لا يوجد في الأردن قانون شامل أو دليل وطني خاص بالحوكمة الجامعية، يحدد بوضوح العلاقة بين الإدارة، مجلس الأمناء، والهيئات الأكاديمية، ويوزع المسؤوليات والصلاحيات بشكل متوازن.
• ضعف بناء القدرات الإدارية والقيادية: غالبا ما يُعيَّن رؤساء الجامعات والعمداء بناءً على الإنجاز الأكاديمي فقط دون توفر مهارات القيادة والتخطيط والإدارة الحديثة.
• الثقافة المؤسسية التقليدية: تُمارس الإدارة في كثير من الجامعات بعقلية "الأوامر والتعليمات"، لا بروح القيادة التشاركية أو الإدارة القائمة على البيانات والأداء.
• غياب نظام حقيقي لتقييم الأداء المؤسسي: نادراً ما تخضع القيادات الجامعية لمراجعة دورية شاملة من حيث تحقيق الأهداف، رضا الطلبة والكادر، مؤشرات الأداء البحثي والتعليمي، أو جودة الخدمة، وعادة يكتفى بتقييم الأداء عند انتهاء مدة رئيس الجامعة.
• الافتقار للشفافية في التعيينات والتكليفات: لا توجد معايير واضحة وشفافة لاختيار القيادات الأكاديمية أو الإدارية، مما يولد شعورا بالإقصاء والتمييز بين الكوادر، ويؤثر على الولاء والانتماء.

آثار ضعف الحوكمة والقيادة على التعليم العالي
• تدهور جودة التعليم: القرارات الإدارية العشوائية أو غير التشاركية تؤدي إلى تخبط في السياسات الأكاديمية، وعدم توافق البرامج مع المعايير الدولية.
• ضعف البحث العلمي والابتكار: غياب الحوكمة يجعل الأولويات البحثية غير واضحة، ويدفع إلى تقليص الموازنات البحثية لصالح النفقات التشغيلية، كما لا تُشجّع البيئة الجامعية على الريادة والتجريب.
• تراجع التصنيفات العالمية: تُقوَّم الجامعات عالميا بناءً على الحوكمة، ومدى تفاعل الإدارة مع المجتمع، ووضوح الاستراتيجية، وهو ما يُضعف فرص الجامعات الأردنية في الظهور ضمن التصنيفات المرموقة.
• غياب العدالة التنظيمية: نتيجة لتغييب الشفافية وتداخل الصلاحيات، يشعر أعضاء هيئة التدريس بعدم العدالة في التعيين، أو الترقي، أو المنح، ما يُضعف الانتماء المؤسسي ويؤثر على الأداء.

توصيات لمعالجة ضعف الحوكمة والقيادة الجامعية
• إعداد إطار وطني للحوكمة الجامعية: يجب أن تتبنى وزارة التعليم العالي – بالتعاون مع هيئة الاعتماد – ميثاقًا وطنيًا للحوكمة في الجامعات، يتضمن المبادئ الأساسية: الشفافية، المشاركة، الاستقلال، والمساءلة.
• فصل السلطات داخل الجامعة: يُفترض توزيع الصلاحيات بوضوح بين رئاسة الجامعة، مجلس الأمناء، المجالس الأكاديمية، والهيئات التنفيذية، مع وضع آليات رقابة متبادلة.
• إصلاح آلية اختيار القيادات: تطوير نظام واضح وشفاف لتعيين رؤساء الجامعات والعمداء، يستند إلى معايير قيادية، وسير ذاتية موثقة، وتقييمات من أطراف متعددة.
• تمكين مجالس الأمناء: يجب إعادة تفعيل دور مجالس الأمناء كمجالس استراتيجية مستقلة، لا كجهات شكلية، مع تدريب أعضائها وتمثيلهم لمختلف أطياف المجتمع.
• تعزيز نظم التقييم المؤسسي: إطلاق نظم تقييم شاملة لأداء الإدارات الجامعية، تشمل مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، ورضا أصحاب المصلحة، وجودة المخرجات.
• إشراك أعضاء الهيئة التدريسية في عملية صنع القرار: تفعيل مجالس الأقسام الأكاديمية، وتوسيع المشاركة في اللجان وصياغة السياسات الجامعية، لتعزيز الشعور بالملكية الجماعية للعمل الأكاديمي.
• إدراج التدريب القيادي ضمن التأهيل الأكاديمي: إنشاء برامج قيادية تستهدف أعضاء هيئة التدريس المرشحين لتولي مناصب إدارية، تجمع بين الإدارة الاستراتيجية، ومهارات اتخاذ القرار، والحوكمة الرشيدة.




عدد المشاهدات : (1407)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :