رم - ماهر ابو طير
عشنا حتى رأينا عربا يستنجدون بإسرائيل لحمايتهم، وهذا ما شهدناه في استغاثات الدروز السوريين بإسرائيل، وحض الدروز في فلسطين المحتلة لإسرائيل لإغاثة أقاربهم، مما يعتبرونه ويلات النظام السوري الجديد.
مشروع توليد دويلات إسرائيلية جديدة وصغيرة غير إسرائيل الأولى، مشروع قديم، وكأننا أمام أكثر من إسرائيل واحدة، إذ هناك إسرائيل الأم، وهناك الدويلات الإسرائيلية الصغيرة لمكونات عرقية أو طائفية أو مذهبية محددة، ترعاها الأم الحاضنة أي إسرائيل في سياقات أدوار وظيفية، من بينها حماية إسرائيل وتقطيع أوصال المنطقة، والاستثمار في التنوع الطبيعي لتقسيم المنطقة على أساس الهويات الفرعية، بما يؤدي أيضا إلى تطهير ما يسمى إسرائيل من كل العرب، باعتبارها دولة دينية لا تقبل إلا هوية الاحتلال، الدينية، حالها حال الدويلات المستحدثة.
الأردن اليوم أمام خطر جسيم، حيث إن توليد دولة درزية في السويداء، يعني البروفة الأولى لتقسيم العراق وسورية أيضا إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، لكن هذه الدولة ستكون الأخطر لان السويداء أقرب إلى الأردن من دمشق، كما أنها إذا انفصلت ولم تحدث حرب أهلية بسبب محاولة الانفصال، وهذا احتمال كبير، ستكون دويلة إسرائيلية تمتد مع حدود جنوب سورية بما في ذلك درعا والجولان، كمنطقة عازلة بين الأردن وسورية، وبحيث نخسر عمقنا السوري، ونصبح أمام حدود إسرائيلية شمال الأردن، وغربه، وكأنه تم تسويرنا بسوار إسرائيلي.
أوراق الاردن هنا متعددة، إذ أن الاعتراض لدى واشنطن قد يفيد جزئيا، لكنه لن يمنع هذا المشروع الذي ستعترف به واشنطن، أصلا، كما أن علاقة الأردن بالزعيم اللبناني وليد جنبلاط وهو أهم رمز درزي في المنطقة قد تفيد في عرقلة المشروع، لعلاقاته القوية مع دروز سورية، ومع نظام الشرع، لكن هذه مراهنة جزئية، لان الاختراقات الإسرائيلية لدروز سورية جارية على قدم وساق بفعل اقاربهم في فلسطين المحتلة، والدور الوظيفي الذي سيتورط به الجميع لصالح الاحتلال الإسرائيلي، سيكون مشتركا، خصوصا، مع الذي يعايشه الفلسطينيون مع الدروز عندهم.
ليس هناك من وقاحة علنية كما العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تهدد دمشق إذا تمددت قواتها إلى جنوب سورية، وإذا مست ما يسمى حقوق الدروز في سورية، وهي شهوة قد تمتد إلى مكونات سورية ثانية تستغيث بإسرائيل بحيث تصبح هي المنقذة، في زمن أصبحت فيه الخيانة تحمل مسميات بديلة، دون أي خشية أو قلق.
الأردن أمام وضع خطير، إذ فوق ما يتدفق من جنوب سورية من مخدرات وسلاح، ومخاطر الجماعات المقاتلة يتم تثوير الدروز علنا، ويجاهرون اليوم للأسف باستعدادهم للتبعية لإسرائيل تحت مبرر المظلوميات التي يتعرضون لها، ولن يكون غريبا أن يمتد هذا المخطط إلى كل سورية والعراق، بعد أن كنا نعتبر أن التنوع الطائفي والعرقي والمذهبي دليل غنى اجتماعي، وإذ به يتحول تحت وطأة المظلوميات والاختراقات إلى خناجر تطعن ظهر شعوب الكينونات القائمة، وتمزق وحدة للمنطقة العربية.
لن يحارب الأردن على كل الجبهات، إذ يكفيه ما عنده من هموم داخلية، واخطار ملف الضفة الغربية وغزة، وتأتيه اليوم أخطار ملف التقسيم السوري، في ظل حالة الأسرلة التي تجتاح المنطقة، وهي حالة قد تؤدي في مرحلة ما إلى الاقتتال الداخلي ونشوب حروب أهلية في دول مختلفة على خلفية رفض تنفيذ المخططات الإسرائيلية على المدى الإستراتيجي، وهي حروب قد تأتينا بموجات لجوء وهجرة جديدة، من الهاربين بدمهم.
يبقى الخطر الذي لايراه أحد حتى الآن، أي تورط إسرائيل باحتلال أجزاء أكبر من سورية، وصولا إلى دمشق نفسها، والذي يعنيه ذلك على الأمن القومي العربي، وأمن الأردن، ما دمنا نتفرج على قصف الشعوب العربية، ونكتفي باعتبار أعمال إسرائيل رجس من عمل الشيطان، دون أي محاولة لوقف مخططات الهدم وإعادة البناء، وهي مخططات لن تستثني أحدا، في ظل مشروع إسرائيل الكبرى الذي يريد كل بلاد الشام ومناطق ثانية أيضا. في هذا المشرق الذي لا شمس فيه، ولا نهارا أصلا.