ما بعد الإخوان: أسئلة المرحلة الصعبة


رم - د. عامر بني عامر


تمر الدولة الأردنية اليوم بلحظة مراجعة شاملة لبعض معادلاتها السياسية والاجتماعية، بعد التطورات الأخيرة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، الغاية من هذا الطرح ليست تقديم إجابات قاطعة، بل السعي لفهم التحولات الجارية، عبر مجموعة أسئلة قد تساعدنا — دولة ومجتمعًا — على قراءة المسار بدقة أكبر، واستشراف المستقبل بروح نقدية مسؤولة، تعزز الهوية الوطنية الأردنية الجامعة وتحمي الاعتدال في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب.

الأسئلة هنا تنطلق من الإيمان بأن إعادة قراءة المراحل السابقة ضرورة وطنية، بعيدًا عن الانفعال أو الاصطفاف، لفهم كيف أثرت بعض المسارات في بنية المجتمع، وكيف يمكن البناء على اللحظة الراهنة لتكريس قيم المشاركة والمواطنة، وهنا نطرح هذه الأسئلة:

هل يشكل حظر جماعة الإخوان المسلمين إغلاقًا لمرحلة تاريخية ساهمت في خلق استقطابات اجتماعية وسياسية حادة داخل المجتمع الأردني؟
هل بقاء حزب جبهة العمل الإسلامي بتركيبته الحالية يعني استمرار تأثير الجماعة بطريقة أخرى، أم أن التغيرات التي تمر بها القواعد الشعبية ستفرض على الحزب التكيف والابتعاد عن الإرث التقليدي؟
هل يستطيع الحزب أن يتحول إلى حزب سياسي وطني جامع الهوية بعيدًا عن التمثيل الديمغرافي الذي لازم الجماعة في مراحل سابقة؟ أم أن غياب الحاضنة الاجتماعية والدينية والمالية قد يؤدي إلى تراجع فعاليته تدريجيًا؟

هل الدولة بصدد إعادة تعريف العلاقة مع الأحزاب ذات المرجعيات الدينية بما يضمن احترام التعددية دون السماح بإعادة إنتاج الاستقطاب الديني؟
هل يمكن أن يلتزم الحزب بشكل واضح بالانفصال الكامل تنظيميًا وفكريًا عن الجماعة، بما يشمل البرامج والخطاب السياسي وأساليب العمل؟

ماذا عن مجلس النواب؟
هل يؤدي غياب الإخوان عن المشهد التنظيمي إلى إعادة توزيع موازين القوى داخل البرلمان، بما يسمح بولادة كتل سياسية تعبّر عن أولويات الشارع الأردني وقضاياه الوطنية؟
هل يفتح الفراغ المجال أمام ظهور قوى جديدة تعبر عن الهوية الوطنية الجامعة بعيدًا عن الأطر الأيديولوجية التقليدية؟

وفي الحياة الحزبية،
هل تستطيع الأحزاب الحالية أن تقدم بدائل سياسية حقيقية، أم أن غياب الإخوان سيكشف ضعف بنية العمل الحزبي عمومًا؟
هل نحن بحاجة إلى تجديد فعلي في الحياة السياسية، يعتمد على البرامج لا على الانتماءات التقليدية؟

وفي الانتخابات القادمة،
كيف سينعكس غياب الجماعة على نسب المشاركة العامة؟
هل يؤدي إلى انخفاض الاهتمام بالعمل السياسي أم يدفع نحو تجديد النخب؟
هل سيكون لحزب الجبهة قدرة حقيقية على المنافسة إذا فقد دعم الحواضن التقليدية والتمويلية؟

وفي محور الدين،
هل يساعد غياب الإخوان على تحرير المجال الديني من التسييس؟
هل يظهر خطاب ديني وطني متوازن، يعبر عن الإسلام الأصيل المنفتح، الذي شكل جزءًا من هوية الدولة الأردنية منذ تأسيسها؟
هل آن الأوان لتثبيت الفصل بين الممارسة الدينية كقيمة مجتمعية، والعمل السياسي كمجال تنافسي يخضع لمبادئ المواطنة؟

وفي مكافحة التطرف وخطاب الكراهية،
كيف نحمي المجتمع من فراغ قد تستغله تيارات أكثر تشددًا؟
هل كانت الجماعة تمثّل عامل احتواء لفئات قابلة للتطرف، أم أنها ساهمت – ولو جزئيًا – في إنتاج خطاب أيديولوجي صلب تغذت منه جماعات أكثر تشددًا؟
هل يرتبط الاعتدال الديني بوجود جماعات دينية منظمة، أم يرتبط الاعتدال بنهج حياة ومؤسسات ومناهج؟
هل يمكن تعزيز خطاب الاعتدال والوسطية عبر إصلاح حقيقي للمناهج، وتجديد الخطاب الإعلامي والديني، وتوسيع المساحات المدنية المفتوحة أمام الحوار والتعددية؟
هل نحتاج إلى تحصين ثقافي طويل الأمد بدلًا من الاكتفاء بالمعالجة الأمنية؟

وفي بناء الهوية الوطنية الأردنية الجامعة،
هل يشكل غياب الجماعة فرصة لتجاوز الحساسيات التاريخية وإعادة بناء مفهوم الانتماء الوطني على قاعدة المواطنة المتساوية للجميع؟
هل يستطيع الأردن تحويل هذا الفراغ إلى لحظة تأسيسية لمشروع وطني جديد، يقوم على وحدة المجتمع واحترام تنوعه دون الانزلاق نحو التمثيل الفئوي أو الطائفي؟

وعلى مستوى الرؤية العامة،
هل لدى الدولة تصور متكامل لإدارة مرحلة ما بعد الإخوان، بما يضمن تعزيز الحياة السياسية دون السماح بإعادة إنتاج أسباب الأزمة؟
هل سيكون التوجه نحو تعزيز التعددية السياسية المتوازنة، أم أن الاعتبارات الأمنية ستظل تحدّ من تطور الفضاء السياسي؟

ختامًا،
تبقى الأسئلة أكثر من الإجابات، لكنها تظل ضرورية لفهم تعقيدات المشهد والتحولات التي نعيشها، بين التحولات الداخلية والرهانات الإقليمية، يبقى التحدي الأهم هو بناء الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، القادرة على استيعاب جميع مكوناتها، وتثبيت قيم المواطنة والاعتدال والانفتاح، بما يعزز منعة الدولة ويقودها بثقة نحو المستقبل.






عدد المشاهدات : (4426)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :