أزمة تفكيك الميليشيات المسلحة .. تحدٍ اقليمي في عالمٍ مضطربْ


رم - د. روان سليمان الحياري

في إقليم لا يزال يعاني من تداعيات أزمات متراكمة وصراعات ممتدة وأخرى بالوكالة، تبرز قضية تفكيك الميليشيات وإعادة بناء الدولة كأحد أكثر التحديات إلحاحاً فيه، أمام المجتمعات الساعية للاستقرار والسيادة الوطنية والتنمية. لقد أثبتت التجارب أن ازدواجية السلاح، أو وجود قوى مسلحة موازية أو متجاوزة للدولة، يُفضي مع الزمن إلى تقويض هيبتها، وشل مؤسساتها، وتعميق الانقسامات الداخلية.

تجربة لبنان تمثل مثالاً واضحاً على خطورة هذه الظاهرة. فمنذ عقود، ظل وجود تنظيمات مسلحة خارج سلطة الدولة يشكل عائقاً أمام بناء مؤسسات قادرة على فرض القانون بشكل موحد، لا وبل خاصرة رخوة لجر البلاد لحروب واستفزازات مسلحة، ودوامات الفوضى والعنف، لتفضي بالمجمل الى إدامة حالة الهشاشة السياسية والاقتصادية. ينطبق الأمر ذاته، ولو بأشكال مختلفة، على بلدان أخرى في المنطقة، حيث أدت نشأة كيانات مسلحة موازية إلى تعقيد جهود إعادة الإعمار الوطني، -اليمن والعراق والسودان مثالا- حيث تغدو مسألة احتكار السلاح بيد الدولة شرطاً ضرورياً لاستعادة الاستقرار وإطلاق عملية التنمية، ومما لا شك فيه، أن فصل المفاوضات الامريكية الايرانية ومخرجاتها سيلقي بظلاله لمعادلات جديدة في القوة والردع في المنطقة.

تاريخيًا، لا يُسلم أصحاب السلاح سلطتهم طوعًا عبر طاولات الحوار. فنزع السلاح عمليةٌ صلبة، تتطلب قرارًا سياسيًا صارمًا يفرض هيبة الدولة، مدعومًا بإرادة شعبية ودولية واضحة. فالاستمرار في لعبة "الاستراتيجيات الدفاعية الحوارية" ليس إلا وصفة لاستمرار التهديد، وزرع بذور انفجار داخلي قادم، واستدامة لساحات الصراعات الإقليمية بالوكالة.

إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب جهود و رؤية وطنية جامعة، تتأسس على إدراك أن بناء الدولة القوية لا يمكن أن يتم دون توحيد السلطة الشرعية واحتكار أدوات القوة بيد المؤسسات الرسمية وحدها. كما تستدعي هذه المهمة وعياً سياسياً واجتماعياً واسعاً، يتجاوز الحسابات الفئوية والآنية، ويضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار.

لقد أكدت شواهد العقود الماضية أن بقاء الميليشيات كقوة مستقلة عن الدولة لا يفضي فقط إلى زعزعة الأمن، بل يساهم أيضاً في تعطيل النمو الاقتصادي، وإضعاف ثقة المواطنين بمؤسساتهم، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية. وفي المقابل، فإن كل تجربة ناجحة لإعادة بناء الدولة كانت تبدأ بإعادة الاعتبار لسلطة القانون وسحب السلاح أو حتى محاولات التسلح من الفضاء العام غير الرسمي.

إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه العديد من دول المنطقة اليوم لا يقتصر على تفكيك الميليشيات فحسب، بل يمتد إلى ترسيخ العقد الاجتماعي على قاعدة المواطنة، والهوية، وسيادة القانون. فهذا مشروع بناء، يحتاج لكل جهد وطني صادق لاستدامته، وهو بلا شك خيار لا بديل عنه لمن أراد أمناً وازدهاراً ومستقبلاً حقيقياً لأبنائه وللأجيال القادمة من بعد.






عدد المشاهدات : (4391)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :