قاهر الأثرياء… لماذا تنهال العروض الكبرى على المدرب موتا؟


رم - منذ أن كشف المدرب الإسباني تشابي ألونسو، عن نيته في استكمال مشروعه مع باير ليفركوزن لموسم آخر على أقل تقدير، تحول تركيز الصحف والمواقع الرياضية العالمية على المدرب الإيطالي الآخر الشاب تياغو موتا، بتقارير وأنباء محدّثة على رأس الساعة حول مستقبله في فترة ما بعد إتمام إنجازه الكبير مع ناديه الحالي بولونيا، الذي يقوده بخطى ثابتة نحو الترشح لدوري أبطال أوروبا، منذ آخر ظهور للفريق على الصعيد القاري، بمشاركته قبل 22 عاما في كأس إنترتوتو، وسط مصادر تضع اسمه في جمل مفيدة مع أندية بحجم يوفنتوس ومانشستر يونايتد، على أمل أن ينقل سحره الحالي إلى فريق السيدة العجوز الكئيب في ولاية الماكس أليغري أكثر من أي وقت آخر منذ العودة من غياهب «السيريا بي»، أو ينجح في انتشال الشياطين الحمر من براثن الضياع، بعد وصول الفريق إلى قاع الحضيض الكروي في موسم الهولندي إيريك تين هاغ، وفي تقريرنا هذا دعونا نستعرض معا أسباب اهتمام أندية الصفوة في أوروبا والبريميرليغ بقاهر الكبار والأغنياء في جنة كرة القدم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

جنون البداية

بالنظر إلى بداية صاحب الـ41 عاما في عالم التدريب، قد تبدو وكأنها كانت مفروشة بالورود، كلاعب نجم في مركزه في وسط الملعب، تنبأ له مدربه السابق في باريس سان جيرمان لوران بلان، في نهاية مسيرته الاحترافية، بالنجاح في مجال التدريب، كما هي وجهة نظر الإدارة الباريسية، التي عينته مدربا لفريق الشباب تحت 19 عاما، بمجرد أن اتخذ قرار الاعتزال في العام 2018، في خطوة ساعدته كثيرا على تحقيق هدفه في وقت قياسي، بالانتقال من العمل من الفئات العمرية إلى عالم الاحتراف مع أحد أندية الدرجة الأولى في وطن البيتزا أو فرنسا، وسرعان ما يواجه بحملات واسعة من السخرية، في رود الأفعال على تعليقه على طريقته 4-3-3، واعتبارها أقرب إلى 2-7-2، ورغم أنه أوضح لاحقا أنه كان يقصد الخطوط الرئيسية بالنسبة لتحركات اللاعبين وليست الخطوط الأفقية، إلا أنها ساهمت بشكل أو بآخر في انتهاء تجربته الأولى مع جنوى بعد شهرين فقط من توليه القيادة، أو 10 مباريات فقط في مستهل مغامرته في عالم التدريب في الكالتشيو، ليعود بعدها عبر بواية سبيزيا، الذي كان يبحث عن مدرب على نفس مستوى الخبير فينتشنزو إيتاليانو بعد انتقاله لتدريب فيورنتينا في صيف 2021، إلى أن استقر المدير الرياضي السابق لسبيزيا ريكاردو بيتشيني على موتا، قائلا في مقابلة موثقة مع موقع «Goal» العالمي «عندما كنا نبحث عن مدرب جديد، حاولنا تحليل المرشحين الذين يمكن أن يتوافقوا مع أفكاري حول كرة القدم، وقبل كل شيء، حاولنا العثور على مدرب قادر على تنفيذ أسلوب لعب يتناسب مع ثقافة الفريق، لقد قمنا بتحليل بعض الملفات الشخصية وشاهدنا العديد من المباريات للمدربين أو الثلاثة الذين ركزنا عليهم. في النهاية، كان تياغو هو الشخص الذي استوفى جميع معاييرنا».

تاريخ وكاريزما

واجه موتا، مشاكل بالجملة في بداية مشواره مع سبيزيا، بدأت بتأخر انضمامه إلى المعسكر، بعد إصابته بفيروس كورونا، وما زاد الطين بلة، أنه بعد 11 يوما فقط من تعيينه مدربا للفريق، تعرض الفريق لعقوبة قاسية، بحرمانه من التوقيع مع لاعبين جدد، ومع ذلك نجح في الحفاظ على تماسكه، حتى في أصعب اللحظات التي مرت عليه، حين تضاعفت الشكوك حول مستقبله مع الفريق في فترة عيد الميلاد، ليرد بشكل عملي على كل المشككين والمنتقدين، بانتصار مقنع على نابولي في قلب ملعب «دييغو أرماندو مارادونا» قبل عطلة الشتاء، على إثره تضاعفت ثقة الإدارة والجمهور في المدرب، الذي قاد الفريق بعد سلسلة هزيلة إلى سلسلة من الانتصارات والعروض المثيرة للإعجاب، أبرزها الفوز المفاجئ على ميلان في قلب ملعبه «سان سيرو»، ما ساهم في هروب الفريق بشكل لا يُصدق من مقصلة الهبوط إلى غياهب «السيريا بي»، بفضل شخصية المدرب وتنوع أفكاره، وذلك باعتراف لاعب وسط الفريق السابق جوليو ماغيوري، الذي قال في تصريح سابق: «كان لاعبا رائعا، لذلك كان من الطبيعي أن نستمع إليه عندما يتحدث، وجزء كبير من نجاح الفريق في البقاء بفضله»، وبالمثل قال عنه مهاجم الفريق السابق إيمانويل جياسي: «موتا كان متحدث صريحا، نتحدث عن إنسان صادق للغاية، يقول لك الأشياء في وجهك، سيخبرك مباشرة إذا كنت في حالة جيدة أو إذا كان أداؤك سيئا»، ما أقنع إدارة بولونيا بفكرة التوقيع لخلافة الراحل سينيسا ميهايلوفيتش، في ما وُصف على نطاق واسع من قبل النقاد والمتابعين في إيطاليا بالقرار الشجاع والجريء من بطل دوري أبطال أوروبا مرتين كلاعب، أن يقبل بالوظيفة التي اعتذر عنها دي زيربي، نظرا لصعوبة المهمة على أي مدرب سيأتي لخلافة الشخصية الأسطورية التي رحلت عن عالمنا أواخر العام قبل الماضي، لكنه عرف كيف يأخذ المشجعين الغاضبين إلى صفه، بتصريحه الشهير عن معشوقهم الأول سينيسا، قائلا «سينيسا سيظل دائما جزء من تاريخ بولونيا، لكنه مع ذلك كان واثقا من أنه على الرغم من أنه لن يحصل على الكثير من المال للعمل معه، إلا أنه يمكنه البناء على الأسس الصلبة التي تركها».

مشروع فيلسوف

ربما على الورق، كانت بدايته مع بولونيا أقل ما يُقال عنها مشؤومة، نظرا لإخفاقه في تحقيق أي فوز في أول 4 مباريات في الموسم، لكنه أقنع أغلب المشجعين بأفكاره العصرية الجريئة، التي جعلت البعض يربط بين فلسفته وبين دستور مؤسس نهج «التيكي تاكا» في برشلونة يوهان كرويف، كمدرب يرفع شعار «أصعب شيء هو لعب كرة القدم البسيطة»، بما في ذلك ما يميزه عن الكثير من المدربين، عدم التقيد بتشكيل ثابت، والأكثر غرابة، الاعتماد على اللاعبين في أكثر من مركز، مثلما قال المهاجم غياسي ذات مرة ساخرا «لقد تعلمت اللعب في مركز الجناح، وأيضا أقوم بمهام لاعب الوسط والظهير الأيسر عند الحاجة»، وهذا يعكس مدى التنوع والمرونة في أفكاره، التي ترتكز في الأساس على الجمع بين الاستحواذ الإيجابي والإمتاع البصري، بخداع تكتيكي يبدأ بتحضير بطيء من الخلف إلى الأمام لخلخلة صفوف المنافسين، وفي المقابل، يطبق نهج يورغن كلوب، من خلال الضغط المكثف من الأمام عندما يفقدون الحياز، ما يظهر الفريق وكأنه يدافع ويهاجم بشكل جماعي، نظرا لقدرتهم على خلق زيادة عددية دائما سواء في المواقف الدفاعية أو الهجومية، آخرها اللوحة الإبداعية التي رسمها المغربي أسامة العزوزي في شباك روما، في ليلة ترويض الذئاب في عقر دارهم «الأولمبيكو» بثلاثية مقابل هدف الأسبوع الماضي.
وهذا يفسر التحول الكبير في نظرة المشجعين والمنافسين لبولونيا هذا الموسم، من فريق تقليدي معتاد على التواجد في منطقة الوسط الدافئة في الدوري الإيطالي، إلى بعبع الكبار وقاهر الأثرياء، وقبل هذا وذاك، أوشك على قيادة بولونيا إلى التأهل لدوري أبطال أوروبا، بميزانية تُصنف كثامن أصغر ميزانية في الدوري الإيطالي، لكن الأهم، تأثيره في تحول لاعبين كانوا مجهولين حتى وقت قصير إلى أهداف لعمالقة الكالتشيو وأوروبا، على رأسهم جوشوا زيركزي، الذي بصم على موسم أول للنسيان في الدوري، قبل أن يكشر عن أنيابه بالنسخة الرائعة التي يبدو عليها الآن، ومثله ريكاردو كالافيوري، الذي أعاد المدرب توظيفه واكتشافه من جديد في مركز قلب الدفاع بدلا من مركزه الأصلي كظهير، وتشكيلة يُقال عنها شابة وعديمة الخبرة نسبيا، تم تجميعها بتكلفة بسيطة من قبل المدرب السابق جيوفاني ساتوري، بأسماء من نوعية لاعب الوسط المهاجم المتعدد الاستخدام لويس فيرغسون والجناح الإيطالي ريكاردو أورسوليني، وحتى بعد صدمة إصابة القلب الشجاع بالرباط الصليبي، ومن قبله جيردي سكوتن ونيكولاس دومينغيز وماركو أرناوتوفيتش، ما زال الفريق يؤدي بنفس أسلوبه الأنيق، والأهم لا يتوقف عن مطاردة هدفه الرئيسي بالحفاظ على مكانه في المركز الرابع المؤهل لدوري الأبطال، وفي أسوأ التقديرات المركز الخامس بعد ضمان الكالتشيو المشاركة بخمسة ممثلين في النسخة المحدّثة بداية من الموسم الجديد، لذا لن تكون مفاجأة إذا استيقظنا في إحدى ليالي الصيف على خبر تعيينه مدربا لليوفي أو اليونايتد أو أي ناد آخر بنفس الوزن والشعبية.



عدد المشاهدات : (5485)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :