احلام التميمي .. مناضلة بانتظار تنفس هواء الوطن


رم -

رم  - نيفين عبدالهادي

تفاجئك ألفة المكان، ودفء اللحظة عند دخولك منزل اسرة الاسيرة أحلام التميمي، التي تقضي احكاما بـ(16) مؤبدا في السجون الاسرائيلية منذ عام.

كل شيء من حولك يحدثك عن حالة «نضال» تجعل من وجودك في هذا المكان أليفا يتيح لك فرصة كاملة لتقرأ قصصا مختلفة البدايات لكنها حتى الان دون نهايات بانتظار عودة المناضلة الى ارض الوطن ضمن قائمة المفرج عنهم في صفقة تبادل الاسرى بين حركة حماس واسرائيل.

قصة أحلام عندما يرويها شقيقها فخر التميمي في حوار مع «الدستور» تحتمل كل البدايات، لكنها لا تقبل سوى نهاية واحدة، نهاية أنثى تمردت على ضعف البشرية بأكمله لتصبح بطلة، تمتعت بصبر لم تهزمه الايام كما لم تهزمه الظروف، فسجلت تفاصيل نضالية لا وجود فيها للبطولات الصغيرة، ببطولة عاشت تتحدى العالم بفكرة.

أحلام.. عندما يتحدث عنها شقيقها يبحث فيها عن طفولتها التي بقيت هي فقط تحتل المساحة الاكبر في ذاكرته، فهي شقيقته الصغرى بين شقيقين واربع شقيقات، من مواليد عام 1980، نفذت عمليتها وهي تدرس في السنة الثالثة (صحافة واعلام) في جامعة بير زيت. خرجت من عمّان الى فلسطين لتدرس في الجامعة، ليفاجأ بها قبل اكثر من عشر سنوات وهي على شاشات التلفزيون تعلن مشاركتها في عملية فدائية في القدس كانت نتيجتها مقتل (16) اسرائيليا، و(150) جريحا.

وفي محاولة بائسة من فخر لتحنيط الزمن عند صورة شقيقته، وهي تلك الطفلة الشقية العنيدة، عاد ليتحدث عنها وهي تشحن ذاتها نحو حياة مختلفة اختارتها هي بنفسها ودون سابق انذار، فكانت صاحبة اعلى الاحكام في المعتقلات الاسرائيلية، حيث حكمت (16) مؤبدا، كونها قتلت (16) اسرائيليا، فاختلفت الصورة، ولم نعد قادرين على منازلة الذاكرة بشيء من طفولتها التي جعلت منها كبيرة بالعمل اكثر من سنين العمر.

تفاصيل الصورة اختلفت، ليس فقط منذ كانت احلام في بيت اسرتها، حتى انها اختلفت في آخر مرة زارتها اسرتها قبل ثلاث سنوات، حيث كانت متعبة نفسيا وجسديا، فكانت هذه هي المرة الاخيرة التي ترى فيها افراد اسرتها، كما انها لا تعرف احدا من ابناء اشقائها وشقيقاتها، فهي تلك الطالبة التي سافرت للدراسة، وها هي اليوم تعود لهم الاسيرة المحررة، لتكون حالة خاصة في حياة جيل جديد، جيل الاحفاد.

وفي ضوء حقيقة واحدة أتعبها ترحال سنوات الاعتقال العشر، تحدث شقيق احلام وزوجته واطفاله عن ابنتهم العائدة بعد عشر سنوات من الاعتقال، وانتزاع حلم احلام بالحرية، فكان الحوار التالي الذي استمر اكثر من ساعة تأكد خلاله مبدأ ان الفرح فعل مقاومة.. فها هي احلام تقاوم لتحصل على الفرح هي واسرتها.. فرح الانجاز والنضال، الذي نعرف تفاصيله تاليا.

طفولة عنيدة وشخصية قوية

الدستور: لنبدأ من طفولة أحلام، كيف كانت وهل يمكننا أن نرى أن التمرد كان جزءا من شخصيتها؟.

التميمي: نحن من أسرة بسيطة، ولا يوجد اي ظروف تجعل من احدنا يخرج بحالة تمرد كالتي خرجت بها احلام، لكن بشكل عام، فالظروف السياسية التي نشأت بها كانت تتجه نحو روح النضال والبحث عن اي سبيل للتعبير عن الرفض لاي خلل من حولها.

بطبيعتها، كانت أحلام طفلة شقية، شخصيتها قوية جدا، عنيدة، صفاتها «حديّة» جدا، وكانت دوما تصر على ان تحقق ما تريد في ظل اي ظروف او امكانيات، فلم تكن تقبل بأسهل الامور، بل تسعى للحصول على الاصعب دوما لتحظى بفرحة الانجاز.

الدستور: هل لنا ان نتعرف الى تفاصيل أفراد أسرة أحلام؟.

التميمي: نحن أسرة تتكون من شقيقين واربع شقيقات، بالاضافة الى احلام، انا الشقيق الاكبر لها، والدتي توفيت قبل اعتقال احلام بشهر واحد، وكانت طفولتنا في مدينة الزرقاء لاسرة بسيطة.

احلام خرجت لهذه الدنيا بعدما احيل والدي الى التقاعد، فعاشت تنعم بحنانه عن قرب دون ان يكون هناك ما يعيقه عن ذلك.

الدراسة في «بير زيت»

الدستور: لماذا قررت أحلام إكمال دراستها في الضفة الغربية؟.

التميمي: أنهت أحلام التوجيهي، وكان لديها رغبة بدراسة الصحافة والاعلام، وقد تقدم لها عمي بعرض لدراسة الصحافة في جامعة بير زيت، فسارعت بالموافقة كونه التخصص الذي طالما حلمت بدراسته.

وبالفعل حصلت على مقعد جامعي في الجامعة، وأقامت في الضفة الغربية اثناء ذلك لاتمام دراستها الجامعية، وكانت متفوقة في دراستها الى ان وصلت الى السنة الثالثة بتخصص الصحافة في الجامعة.

تنفيذ العملية

الدستور: ونحن نصل الى مرحلة تنفيذ العملية الفدائية، كيف حدث ذلك، ضمن المعلومات التي تملكونها؟.

التميمي: بالفعل، «ضمن المعلومات التي نملكها»، لا سيما أننا لا نعلم اي تفاصيل عن هذه العملية سوى ما سمعنا به من وسائل الاعلام، لكن العملية نفذتها احلام وهي في السنة الثالثة بالجامعة، ولم تكمل دراستها الجامعية بطبيعة الحال بعد ذلك.

كل ما نعلمه حول هذا الموضوع أن أحلام كانت من ضمن المخططين للعملية التي نفذت قبل اكثر من عشر سنوات في مطعم سبارو في القدس، كانت من المخططين فقط، في حين نفذ العملية الفدائية أحد الشباب.

ونتج عن هذه العملية مقتل (16) اسرائيليا، و(150) جريحا، وعليه حكمت بعد ذلك بالسجن (16) مؤبدا بعدد الاشخاص الذي قتلوا في العملية.

اعتقلت احلام فور تنفيذ العملية، ومضى على فترة اعتقالها (10) اعوام حتى الان، لم نزرها خلالها سوى مرتين، بتنظيم من وزارة الخارجية.

الدستور: كيف تلقيتم نبأ العملية، ونبأ الاعتقال؟.

التميمي: شاهدت الخبر عبر التلفزيون، لا سيما أن أحلام هي من خرجت على التلفزيون واعلنت تفاصيل العملية، فسمعت التفاصيل منها شخصيا. بطبيعة الحال كأي مشاهد وشخص عادي لأنا لم نتمكن من الاقتراب منها او متابعة قضيتها بالمطلق.

لا يمكن أن أصف كيف كانت مشاعري آنذاك، لكن بشكل عام، لم يكن الأمر مريحا لا سيما أن والدتي كانت قد توفيت قبل ايام من هذا النبأ، فكانت «ضربتين بالراس».. ليس سهلا بالمطلق ما حدث، فهي شقيقتي الصغيرة بطفولتها وجدائلها الصغيرة، وصوتها الطفولي الذي ينادي دوما للفرح وعن الفرح.

لقاء من وراء القضبان

الدستور: كيف كانت وسيلة الاتصال بها، كيف كنتم تقفون على تفاصيل حياتها؟.

التميمي: كما أسلفت، لم نزرها سوى مرتين من خلال زيارتين نظمتهما وزارة الخرجية، بترتيب وتنظيم منها، وكانت هذه فقط هي اللقاءات الشخصية التي شاهدتها فيها وجها لوجه.

خلال بقية سنين الاعتقال كانت تصلنا منها رسائل خطية او شفوية عن طريق الصليب الاحمر، اضافة الى رسائل تصلنا من خلال عدد من المعتقلين ممن يتم الافراج عنهم. لكن بشكل عام، كانت وسائل الاتصال قليلة جدا إن لم تكن نادرة.

الدستور: كيف كان لقاؤك الاول بها من وراء القضبان؟.

التميمي: مؤلما جدا.. ليس من السهل رؤية شقيقتي الصغيرة بهذه الصورة، على الرغم من انها كانت قوية ومتماسكة جدا خلال الزيارة الاولى، لكنها كانت مدمرة نفسيا وصحيا في الزيارة الثانية، ومتعبة، وانتابني قلق كبير بشأنها بعد هذه الزيارة.

رسائل حول جيل لا تعرفه

الدستور: ما هي الاشياء التي تستفسر عنها أحلام في رسائلها؟.

التميمي: الجيل الجديد، فهي لا تعرف أحدا من الاحفاد، وأبنائنا من الجيل الجديد، وبالتالي فكل رسائلها استفسارات وأسئلة حول هذا الجيل التي لا تعرف منهم احدا، كما انهم لا يعرفون عنها شيئا، فكل ما يعرفه عنها ابناؤنا هذه الصور التي تحيط بنا وبذاكرتنا.

أتمنى أن تخرج أحلام وهي ما تزال تحتفظ بشيء من ملامحها في هذه الصور، فهي هنا طفلة، لم تقهرها سنوات الاعتقال، وظروفه التي لا نعرف عنها شيئا بطبيعة الحال نظرا لعدم الاتصال بها منذ اعتقالها.

خطبة في المعتقل

الدستور: أحلام سعت ايضا لربط مصيرها الى الابد بالنضال عندما قررت خطبة أحد المعتقلين في السجون الاسرائيلية، ماذا عن هذه الخطوة؟.

التميمي: بالفعل، أحلام خطبت الى معتقل في السجون الاسرائيلية، يدعى نزار التميمي، وهما لم يتزوجا بعد، علما بأنه ايضا محكوم بعدة مؤبدات.

نزار هو أحد اقارب العائلة، وعندما تقدم لخطبة أحلام كان قد اعتقل منذ (20) سنة، بمعنى انه كان يقضي حكما بالسجن قبلها بسنين، لكنها اختارت هذا المصير، والان نزار سيتم الافراج عنه ضمن صفقة تبادل الاسرى، وحتما سيتم زواجهما بعد الافراج عنهما.

الدستور: ماذا تتوقع أن تطلب أحلام عندما تصل الى أرض الوطن؟.

التميمي: زيارة والدي، والتعرف الى الجيل الجديد الذي لا تعرف منه أحدا، اضافة الى أني أراها تتجول في الشوارع كافة، فهي عاشقة للحرية التي حرمت منها عشر سنوات، فحتما سيكون لذلك ردة فعل بالبحث عن الهواء في كل مكان.

الحنين للوطن والحرية هما ما يسيطران على الآتي من أيام أحلام، فحلمها الوحيد الان أخذ أكبر جرعات من الحرية، وتنفس الوطن.

ترتيبات العودة

الدستور: ما هي الترتيبات التي قمتم باعدادها لاستقبال أحلام؟.

التميمي: بداية سيتم وفق ما وردنا من أنباء تسليم أحلام ضمن قائمة الدفعة الاولى من صفقة تبادل الاسرى على الحدود المصرية الفلسطينية في غزة، بعد ذلك سيتم إيصال أحلام من مصر الى أرض الوطن من خلال إجراءات لم نبلغ بها حتى الان.

وكما علمنا فان أحلام هي الاردنية الوحيدة في هذه الصفقة، ونحن بالطبع نعد احتفالا كبيرا لقدومها سيشارك به كل من يحب أحلام من الاهل والاقرباء وكل من يرغب بالاحتفال معنا بقدومها.

الدستور: هل هناك وجبة طعام محددة قالت أحلام إنها ترغب بتناولها بعد هذه السنين الطويلة من الاعتقال؟.

التميمي: أحلام بطبيعتها تحب جميع أنواع الطعام، وهناك وجبة دسمة تنتظرها عند عودتها ستعدها زوجتي، لا سيما أن أحلام ستقيم في منزلي عند عودتها.

الدستور: هل يمكنك أن تحدد ما الذي ستقوم به أحلام عند عودتها؟.

التميمي: أظن أن أبرز ما ستفكر به هو إكمال دراستها الجامعية، ولا أعلم ما الذي ستسعى لتنفيذه بعد ذلك.

ولا يمكنني أن أخفي أني حريص على أن تنعم أحلام بالكثير من الراحة قبل أن تقرر القيام بأي عمل، فقد ضاع من عمرها الكثير، وعانت الكثير. حلم حريتها كان بعيد المنال، وها هو يتحقق الان.

فرحة الأسرة

الدستور: اتوجه بسؤالي الان الى السيدة ربا عقروق زوجة السيد فخر التميمي.. كيف عرفت أحلام؟.

عقروق: أنا لم أعرفها، فقد تزوجت من فخر حين كانت أحلام في المعتقل، لكن بشكل عام، فقد عرفتها من خلال حديث أسرتها عنها بأنها عنيدة وقوية الشخصية، إضافة الى أني قرأت شخصيتها من خلال الرسائل التي كانت ترسلها لنا، فهي تتمتع بروح عالية من التفاؤل والاصرار.

الدستور: بماذا تحدثت لاطفالك عنها؟.

عقروق: أطفالي يدركون تماما أن عمتهم قوية الارادة وبطلة، وسعت للحرية بعمل جاد ووطني. أتحدث دوما عنها لاطفالي كأني أعرفها وقابلتها عشرات المرات. ويمكنك سؤال أطفالي عنها، فسيتحدثون عنها بشكل مفصل، وبفخر كبير.

الدستور: ما هي أكثر الرسائل التي قرأتها لاحلام وتركت أثرا لديك؟.

عقروق: كل رسائلها مؤثرة، وتحديدا تلك التي تسأل فيها عن أطفالنا، وتحاول التعرف إلى عالم ابتعدت عنه مطولا وتحن له ولدفء الاسرة. كل ما قرأت لها أثر في جدا.

الدستور: كيف تستعدين لاستقبالها؟.

عقروق: منذ تلقينا نبأ الافراج عنها، وأنا أعد لها جميع أنواع الاطعمة التي تحبها، إضافة الى أنواع الحلويات، وقد قمت بتجهيز غرفة في منزلنا خاصة لها، حتى تقيم بها بكل أريحية، غضافة الى أني أخذت أحضر أبنائي لاستقبالها والاحتفاء بها. هو حدث مفصلي لي ولابنائي لا شك، كما هو لزوجي ولأسرتنا بشكل كامل.

هناك حالة نفسية نعيشها جميعا منذ تلقينا نبأ حريتها، وهذا بحد ذاته يحتاج الى استعدادات هامة ستجعل من منزلنا واحة فرح وردية خلال الايام القليلة القادمة، حتى أني تمنيت لو سافرنا الى مصر لاستقبالها هناك، فهي فرحة لا يمكن وصفها أو التعبير عنها.





عدد المشاهدات : (2146)

تعليقات القراء

أمل العودة
أنت تاج على رؤوسنا يا أميرة الأحرار.. وقمر الضفتين
19-10-2011 10:06 AM
الى المحررة البطلة
أنت ستكونين عميد الأسرى قولا وفعلا وليس سلطان العجلوني ونتمنى ان تكوني خيرا منه واكثر ولاءا للاردن
18-10-2011 08:16 AM
شوبكي
نتمنى عودة المناضلة الى وطنها فلسطين
17-10-2011 12:59 PM
شوبكي
نتمنى عودة المناضلة الى وطنها فلسطين
17-10-2011 12:59 PM
أسيرة
المهم أن يتركها الوطن بحالها ولاحاجة لرحلة المخابرات والمن الوقائي والسين والجيم فوالله الأسر ارحم من الجولة الأمنية لسجين سياسي عائد بحب للوطن ---بعد تجربة احساس الظلم والغربة خارج الوطن اسهل من الغربة بحضنه ---فاتركوها لتصالح نفسها والوطن ليس سهلا تكسر الروح حتى لو كان ظلهرنا صلبا وخاصة نحن النساء ---حبنا للوطن كحبنا للولد نعطيه ولانأخذ لكن لانتمنى جوره علينا
17-10-2011 02:50 AM
ام يوسف
عنجد نيالها الي الله فرج همها انا كنت مفكره حالي ضحيت بزواج دام

6سنوات بعدين فشل
17-10-2011 01:03 AM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :