رم - خاص - من ايمان مصاروة
أوضح الدكتور هاني ناصر الدين منسق وحدة دراسات اثار القدس ان مغارة القطن تقع على بعد عدة أمتار الى الشرق من باب العامود في الجهة الشمالية من السور العثماني للمدينة. يبدأ الكهف بمدخل طبيعي بدأ بحفره و توسيعه منذ فترات زمنية لم تحدد بعد ،و يمتد لمسافة 230م تقريبا تحت مستوى المنازل الحالية للمدينة وبارتفاع ما يقارب 15م. حيث تبلغ المساحة الاجمالية لهذا الكهف حوالي 9000م مربع.
وتابع المختص في وحدة اثار القدس قائلا":- وصفها المقدسي في كتابه " حسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" في القرن العاشر ميلادي ومن ثم ذكرها مجير الدين الحنبلي في القرن الخامس عشر ميلادي تحت مسمى "مغارة الكتان".علما بأنها ذكرت أيضا في القرن السادس عشر من قبل رحالة تركي وباسم "مغارة القطن". وعن اسم المغارة تابع د. نور الدين:" ظهر اسم المغارة "مغارة القطن" أيضا في خرائط مسوحات فلسطين والتي قام بها صندوق اكتشاف فلسطين في عام 1873من قبل الكابتن كلود كوندر.
ان المسميات المختلفة للكهف " كهف صدقياهو"، "مقالع الملك سليمان"، "الكهوف الملكية"، جاءت بمجملها مسميات تخمينية للكهف خلال النصف الثاني للقرن التاسع أي بعد اعادة التعرف عليه، من قبل مستشرقين ودارسين للآثار فلسطين عامة والقدس خاصة، والمتأثرين بالرواية التوراتية والتي جعلتهم يربطوا بين هذا الكهف والروايات التوراتية المختلفة وأن يطلقوا عليه هذه المسميات.
وعن كيفية التعرف على مغارة القطن أكد نور الدين "ان الكشف واعادة التعرف على مغارة القطن قد تم في في العام 1854 عن طريق الصدفة، ومن قبل كاهن ومبشر أمريكي يدعى جامس باركلي،والذي بدوره قد أقحم هذا الكهف في جدل كبير حول مسمى الموقع وماهيته التاريخية بين المهتمين في آثار وتاريخ القدس،حيث استمر حتى وقتنا الحاضر. ان ادعاء بركلي حول الكهف وعلاقته المباشرة مع نصوص العهد القديم قد تم ذكره في كتابه "مدينة الملك العظيم".
لقد قام عالم الآثارالفرنسي شارلز كليرمون جانو في العام 1873بأعمال التحري في الكهف، حاملا الفكرة التوراتية للموقع لدى باركلي، وربطه مع "هيكل سليمان" ،من خلال الكشف عن حفر بارز في احدى الزوايا للكهف تحتوي على مجسم لحيوان خرافي مجنح،مشابه للمنحوتات المجسمة في العصور الأشورية والبابلية في منطقة الشرق القديم ، مما جعل جانو يذهب بعيدا بتفسيراته وتقويلاته بحيث ربطها بطريقة مباشرة للنص التوراتي حول وجود الحيوان الخرافي في هيكل سليمان وقام هذا العالم بالذهاب بعيدا بتفسيرات حيث ادعى بأن هذا النحت مستوحى من مجسم المجنح الأسطوري والذي ذكر في العهد القديم والموجود في قدس الأقداس داخل معبد سليمان حسب ذكره.
وعن الأفكار التوراتية تابع منيق وحدة الاثار في جامعة القدس "لقد تبلوت أفكار توراتية عديدة حول هذا الكهف وتم تجسيمها كحقيقة تاريخية حول علاقة الملك "صدقياهو" في هذا الموقع والذي تم ذكره في النص التوراتي و قصة هروبه الى أريحا عن طريق هذا الكهف خلال الحصار البابلي للقدس في عام 586 ق.م. وحسب الرواية التوراتية فقد تم القبض والقضاء عليه". وتأثير هذا الزخم التوراتي اعتبر د. نور الدين ان الزخم التوراتي قد أثر لدرجة خطيرة جدا على البعد التاريخي الحضاري للكهف من خلال التأثر الكبير لدى الشخصيات المختلفة والتي كانت قريبة الى علم الآثار أمثال جانو في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وأثرت هذه الأفكار ايضا وتم تبنيها من قبل الأثريين التوراتيين وغير التوراتيين في التعامل مع مغارة القطن. حتى أن المحفل الماسوني يقيم مراسيميه الاحتفالية منذ الثلث الأخير للقرن التاسع عشر في داخل الكهف والذي أطلق عليه من قبلهم "محاجرالملك سليمان" والذين يعتبرون الملك سليمان قد قام ببناء "الهيكل العظيم" حسب تعبيرهم".
وقد تعاملت سلطة الآثار الاسرائيلية مع هذه المغارة ووضعت خطة في الحفاظ عليها من ثمانينات القرن الماضي. والعمل على ادراجها ضمن لائحة مواقع التراث الثقافي. بالاضافة الى وضع صياغة تاريخية توراتية بعيدة كل البعد عن الصياغة التاريخية الموضوعية لمدينة القدس. و انعكس ذلك أيضا على مسمى المكان حيث وضعت لافتة كبيرة من مجمل مواقع أخرى وضعتها سلطة الآثار الاسرائيلية تحمل عبارة "مغارة صدقياهو" أمام مدخل الكهف فقط باللغة العبرية واللغة الانجليزية". وعن الاستخدام الأساسي للكهف اوضح انه كان تزويد مدينة القدس وأماكن أخرى مهمة بالقرب من المدينة بالحجارة ذات النوعية االصلبة ( حجر ملكي). لكن في الوقت نفسه لا نستطيع تحديد الزمن الحقيقي لاستخدام هذا الكهف.
بلا شك ان الحجارة قد تم قطعها خلال فترات طويلة جدا ولكن لا يمكن تحديد زمن حفرها واستخدامها ، كما تم من خلال المؤرخين وعلماء الآثار من الأجيال المختلفة. وتابع د. هاني"- ان تحديد زمن استخدام الكهف الى عهد الملك سليمان ليس تاريخيا لأن شخصية الملك سليمان بذاتها لم تحدد تاريخيا بالمعيار الزمني والحضاري. من الممكن ان استخدام حجارة الكهف تم قد تم استخدامها في المشروع البنائي الضخم للملك هيرود في مدينة القدس في نهاية القرن الأول ق.م. واللذي هو بحاجة لحجارة ضخمة من أجل الأبنية الضخمة والتي شيدها هذا الملك في مواقع عديدة في فلسطين ومنها مدينة القدس والقائمة على النظام الروماني البحت للعمارة والتي تأثر بها بشكل كبير وملحوظ. و لقد تم استخدام حجارة الكهف أيضا خلال عهد السلطان سليمان القانوني من أجل بنائة سور القدس بين عام 1535 وعام 1538.
بالاضافةلاستخدام حجارة الكهف ببناء برج الساعة في يافا في نهاية القرن التاسع عشر. فيما يدور الحديث عن اغلاق المغارة والذي لا يزال غير واضح المعالم، وان تحديد القرن الحادي عشرميلادي كزمن لاقفاله غير ممكن لأن الكهف قد تم وصفه من قبل مجير الدين الحنبلي في القرن الخامس عشر ميلادي. والقول أن سليمان القانوني قد أغقله خلال فترة حكمه لا زالت بحاجة الى الأدلة الوثائقية القطعية من اجل جعلها اثبات تاريخي. نرى وبكل وضوح، أن الدراسة والتعرف على الأماكن الحضارية في فلسطين عامة ومدينة القدس خاصة، يجب أن تتم بك لعلمية وموضوعية ، بعيدا عن التأثيرات الدينية المختلفة وخاصة التوراتية منها، بالاضافة الى الأفكار المتنفذة وبشكل كبير للعقلية البحثية للأطراف المختلفة.