رم - تجاعيد وجوه تستنشق منها أسرار وتفاصيل الزمن، وخطوط من الوشم تزين أيادي تختصر خبرات وحكايات الماضي.. كلها لجدات بدويات اختصرن جمال الصحراء وعنفوانه بملامحهن.
تلك التفاصيل نقلتها ووثقتها المصورة والناشطة الاجتماعية غزوة متروك العون عبر عشرات الصور التي تناولت حياة البادية بكل تفاصيلها الصغيرة واللافتة، لتتصدر صفحات كتابها “جمال جدتي البدوي” الذي جاء باللغة الإنجليزية.
يعكس الكتاب جوانب وتفاصيل غنية بالجمال، بعد أن تنقلت العون بكاميرتها لمناطق صحراوية عديدة، فهي تقطن في قرية صبحا في المفرق، البادية الشرقية، ولمست في بيئتها أسرارا مليئة بالحياة.
كل ذلك كان يحتاج لعين تلتقط ما تراه لتبثه للعالم، وما التصوير الفوتوغرافي إلا طريقة لنقل هذا الجمال. والعون حاولت من خلال كتابها والتقاطاتها أن تُركز على جمال البداوة والجدات المسنات بملامحهن القوية وتحدياتهن لعناء الصحراء والسنين، مبينة أن “أجمل ما في صحراء الأردن.. نساؤها”.
ومع ذرات الرمال التي تتطاير مع هبات الرياح الصحراوية، تبحث العون عن خبايا البادية، تتلمس الجمال من عيون الجدات، ووقفتهن الصلبة، في رحلة الحياة التي تبدأ وتنتهي من الصحراء، لم تطلهن غبار المدن وحداثتها، بل بقيت تلك الجدة صامدة تربي وتُكبر وتُخرج للوطن رجالا يتمتعون بالقوة والشجاعة والصلابة.
وتتحدث العون عن جدتها التي توفيت، وتقول أنها استنبطت ذلك الجمال من بساطة منها، ومن كلماتها البدوية وجمال روحها وتلك اليد التي تطرزت بالوشم البدوي، والذي بدا يتلاشى حضوره في هذه الأيام، لتبدو صور الجدات بتفاصيل حياتهن واضحة في كتاب العون “جمال جدتي البدوي”.
وبعد أن تعلمت العون على فنون التصوير، وأصبحت أول مصورة “بدوية” متخصصة بالتراث غير الملموس، وبجانب عملها في وزارة التنمية الاجتماعية، قررت أن يكون جلّ إلتقاطاتها في البادية، وحملت كاميرتها أينما حلت وارتحلت، لتخرج بباقة من أجمل الصور التي يمكن أن تُمثل جمال البادية، فكان أن جمعت مجموعة مختارة في كتابها، وبالتعاون مع إحدى صديقاتها من أميركا، كاثلين هوود.
وقامت بتحرير الكتاب باللغة الإنجليزية، فكان كتابTHE BEDOUIN BEAUTY OF MYGRANDMOTHER “جمال جدتي البدوي”، وتم إصداره بدعم من وزارة الثقافة والصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية.
اختيار العون للغة الانجليزية جاء لاظهار ذلك الجمال للعالم أجمع، وليس فقط في الأردن أو الدول العربية، حيث أن الصور البدوية انتشرت بمختلف الدول العربية عبر برامج أو مسلسلات منذ عدة عقود.
بيد أن هذه الصور الجمالية التي تؤخذ بعين “غزوة” ما هي إلا علاقة حب متبادلة للبادية والجدات اللواتي يمثلن بلباسهن وأحاديثهن تاريخا عريقا للأردن، لم تغب فيه البادية عن كل تفاصيل الوطن بمعاركه وحداثته وتطويره، فكثيرات منهن فقدن أبنائهن فداء للوطن، ولم تغب عنهن القوة والجمال البدوي المعتق بالحنين والحب.
وحاولت العون أن تعبر عن حبها لباديتها وطبيعتها وعرفانها لهذا الوطن بأن تكون مدونة وجامعة للجمال الخالي من المؤثرات الصناعية، لا تحتاج إلى إضافات مساحات خضراء أو انهار، بينما يمكن ان تلتقط الجمال بالحجارة السوداء الصحراوية، لتبقى هذه اللحظات ثابتة رغم تقلب السنوات ومرورها.
هذه الصور المرافقة لشرح بسيط ومختزل، جعل من المتصفح للكتاب يلمس سهولة في التعرف على التفاصيل والاستمتاع بالصور الجميلة، وما تسميه العون بـ “التراث غير الملموس”، والتي تحاول منه نقل الحديث إلى صورة موثقة.
انتقال العون للعيش في المفرق بعد أن كانت تسكن عمان، جعلها تكتشف الجمال الذي غاب عن الكثيرين من سكان المدن، إذ استمعت للقصص والتفاصيل البدوية لسكان البادية والتي للأسف أمست تتلاشى، متمنية أن تبقى حاضرة لدى الاجيال القادمة، كجزء من التراث والهوية الاردنية.
الجلوس مع الجدات وكبار السن، نمى لدى العون شغفها بالتوثيق في الكتاب بعد تنقلها في الصحراء الواسعة في البادية الأردنية، ووضع عينيها على ذلك الجمال بين حنايا الصخور والرمال والوجوة والأحاديث في ذات الوقت، لتعكس ذلك الجمال بالصور، وتلك الأماكن التي تحتاج إلى تسويق سياحي.
تطمح العون بتوصيل رسالتها للجمهور، مؤكدة على وجود الجمال العفوي “العتيق” في الروح والوجدان، وفي تفاصيل الوجوه التي تزين بها الكتاب، فيما تسعى إلى أن يكون هناك أعمال اخرى مماثلة تنقل تفاصيل بدوية تحاكي الواقع وتُعرف باقي المجتمعات ودول العالم بالكنوز الأردنية المتمثلة بالصحراء، فالجمال خلقه الله في كل ما على الأرض، ولكن ينتظر من يكتشفه وينقله بعيداً عن التشويه والتزيين المبالغ فيه.