الحكومة وورطة منحنى التوزيع الطبيعي


رم -

المهندس عادل بصبوص


أمهلت نقابة الممرضين الحكومة عشرة أيام للتراجع عن قرارها بشمول الممرضين العاملين في القطاع العام بتقييم الأداء وفقا لمنحنى التوزيع الطبيعي Normal Distribution Curve وإلا ......!!! ، وقبلها بأيام أعلنت الحكومة عن إستثناء المعلمين من تقييم أدائهم وفقا لهذا المنحنى بعدما هددت نقابة المعلمين بالإضراب عن العمل، فما هي قصة هذا المنحنى الذي طرحته الحكومة كخطوة إصلاحية هامة، فغدا ورطة ومأزقا لا تستطيع منها فكاكا، فلا هي قادرة على فرضه على الجميع بحيث يحقق الهدف الإصلاحي المنشود، ولا هي قادرة على التراجع عنه تجنبا لأضرار معنوية كثيرة لا تخفى على أحد.


بدأت القصة أواخر عهد الحكومة السابقة عندما تم إقرار تعديلات على نظام الخدمة المدنية هدفت بشكل اساسي إلى ترشيد عملية تقييم أداء موظفي القطاع العام، لتصبح أكثر عدالة وفاعلية بشكل ينهي ظاهرة حصول غالبية الموظفين على تقييم مرتفع غير مستحق، مما لا يعكس الأداء الفعلي للمؤسسات الحكومية الذي يتسم بالترهل وعدم الكفاءة وضعف الإنتاجية، حيث إشترطت التعديلات بأن تقع نتائج التقييم لموظفي الوزارة أو المؤسسة ضمن منحنى التوزيع الطبيعي وهو منحنى معروف إحصائيا لا يسمح لاعداد الحاصلين على تقييمات أداء مرتفعة أن تتجاوز نسباً معينة، ويستلزم بالضرورة وجود نسب -وإن كانت ضئيلة- للحاصلين على تقييمات أداء متدنية، يصبح أصحابها عرضة لفقدان وظائفهم في حال تكرار مثل هذه النتائج المتدنية لسنتين متتاليتين.

تتوزع نتائج تقييم الأداء وفقا لهذا المنحنى بحيث لا يحصل أكثر من 10% من الموظفين على تقدير "ممتاز" ولا تقل نسبة الحاصلين على تقدير "ضعيف" عن 2% ، وقد سمح للدائرة او الوزارة المعنية وفي حالات خاصة ومبررة معززة بالوثائق والبينات، زيادة نسبة الموظفين الحاصلين على تقدير "ممتاز"، وتخفيض نسبة الحاصلين على تقدير "ضعيف".


لقد تزامن إقرار التعديلات مع الإعلان عن قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي أطلق موجة من الإحتجاجات أطاحت بالحكومة السابقة، وقد طالب المحتجون وقتها بإلغاء كل من قانون الضريبة الجديد وتعديلات نظام الخدمة المدنية، مما دفع الحكومة الجديدة إلى إعلان إلتزامها بتنفيذ العديد من مطالب المحتجين والتي منها إعادة النظر بتعديلات نظام الخدمة المدنية، وقد تم لهذا الغرض تشكيل لجنة أعادت دراسة الموضوع، وبناء على ذلك قررت الحكومة مؤخرا زيادة النسبة المحددة للحاصلين على تقدير ممتاز من 10%إلى 15% إلا أن ذلك قد قوبل بالرفض مجددا من قبل العديد من النقابات المهنية وعلى رأسها نقابة المعلمين التي نجحت من خلال التهديد باللجوء إلى الإضراب في فرض إرادتها على الحكومة وإستصدار قرار بعدم شمول المعلمين بهذا التعديل، وها هي نقابة الممرضين تسير على نفس الخطى ومن يدري فقد تلحقهما أيضا نقابة الأطباء وربما نقابات أخرى مما قد يطيح بالتعديل برمته.


إن إستعمال منحنى التوزيع الطبيعي في تقييم أداء العاملين ليس إختراعاً أردنياً وهو مستخدم في الكثير من المؤسسات والشركات حول العالم وهو مثل كل مناهج تقييم الأداء ليس حلا مثالياً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فله ميزات عديدة وله محددات أيضاً، ويجب أخذ هذه المحددات بعين الإعتبار عند إستخدامه في عملية التقييم.


لم تجد الحكومة بُداً من اللجوء إلى هذا الخيار بعد ما أصبحت عملية تقييم موظفي القطاع العام تخلو من الضوابط تماماً، إلا أن الغريب والمستهجن أن تلجأ نقابات أصمت أسماعنا بشعاراتها الوطنية إلى شن حملة شرسة على هذه الخطوة الإصلاحية، وأن تبذل كل ما في وسعها للإبقاء على الوضع الشاذ حالياً، من خلال أخذ الفئات المستفيدة من خدماتها كتلاميذ المدارس الحكومية أو مرضى ومراجعي المستشفيات والمراكز الصحية رهائن لإبتزاز الحكومة ولفرض توجهات لا تؤدي إلا إلى تراجع المهن التي يمثلونها.


لقد مللنا من الشعارات البراقة التي ترفعها الكثير من الجهات التي تطالب بالإصلاح، ولكنها تسارع إلى وضع العصي في دواليب الحكومة في حال أقدمت الأخيرة على أية خطوة إصلاحية قد تمس مصالحها ومكتسباتها الفئوية الضيقة.


نتمنى على الحكومة أن تدرس قراراتها وتوجهاتها بشكل معمق وجدي قبل إطلاقها، بما في ذلك درجة المعارضة والمقاومة المتوقعة لهذه القرارات، فالإحجام عن أية خطوة إصلاحية لا يتوقع لها النجاح أفضل ألف مرة من إتخاذ مثل هذه الخطوة ثم التراجع عنها لاحقاً، كما نتمنى على الكتاب والمثقفين الذين يطالبون ليل نهار بالإصلاح أن نسمع منهم شيئاُ حول إصرار النقابات المهنية على الإبقاء على منهجية التقييم السابقة التي تتيح للموظف المهمل والمقصر التمتع بدرجة عالية جدا من الأمان الوظيفي، وترفض منهجا تقييما جديدا للأداء قد يساهم في إخراجنا من الحالة المتردية للقطاع العام التي لا تسر الصديق أبدا ...... ولا تغيظ العدا.




عدد المشاهدات : (8936)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :