
رم - الدكتور محمد محمود العناقرة
يعد الحديث عن شخصية الحاج حيدر مراد حديثاً عن واحد من أبرز الشخصيات التي برزت في مجال التجارة والاقتصاد ، فتجده قد نقش بحروف من نور سجلات مضيئة في تاريخ الأردن من خلال بناء المؤسسات التجارية الكبرى وتأسيس العديد من المشاريع الاقتصادية التي ساهمت في بناء الاقتصاد الأردني.
ولد الحاج حيدر مراد في مدينة غزة عام 1940 لأسرة تمتهن التجارة كابراً عن كابر فوالده المرحوم عيسى مراد كان تاجراً معروفاً عُرف بتجارة الحبوب والزيوت والتمور ما بين الأردن وبيروت وغزة. وحول ولادته تحدث الحاج حيدر مراد قائلاً: ولدت في مدينة غزة على الساحل الفلسطيني وكان والدي - رحمه الله - رجل أعمال وتاجراً معروفاً في فلسطين والأردن وقد ترعرعت في غزة هاشم وبين شواطئها وسواحلها الجميلة نشأت طفلاً يافعاً".
تلقى حيدر مراد تعليمه الابتدائي في مدارس غزة وبعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية انتقل إلى القاهرة ليكمل دراسته الجامعية وبالفعل فقد التحق بكلية التجارة والاقتصاد في جامعة القاهرة وتخرج منها عام م1962 ، لينخرط بسوق العمل فمارس النشاط التجاري مع المرحوم والده في مدينة عمَّان ، وهنا بدأت شخصية الشاب العصامي المثابر تتبلور ليصبح واحداً من أكبر التجار الأردنيين وكان يسير على نهج والده في تدبير أمور التجارة فوضع القناعة والصبر نصب عينيه وكانتا رفيقاً له في مشواره ، فمارس أعمالهما في ظل إمكانياتهم المادية المتاحة. وعلى الدوام يروي الحاج حيدر مراد حادثة ألمت بوالده جعلته يفقد أمواله التي وضعها في هذه التجارة ولكنها في الوقت نفسه كانت درساً ما زال يرافقه في تعلم الصبر على الشدائد وإعادة بناء الذات والمثابرة وفي ذلك تحدث الحاج حيدر مراد قائلاً: في أحد المرات تعرضت باخرة بأكملها للغرق في ميناء غزة ، كانت تتراوح حمولتها بحدود 600 طن وكانت محملة من الأردن ولبنان بالبضائع لوالدي ولم يكن هناك تأمين على البضائع والبواخر في ذلك الوقت (في أواخر الخمسينيات) وأذكر أنه كانت ترسو السفن بعيداً عن مرسى الميناء ، حيث كان يتم التفريغ والتحميل عبر قوارب صغيرة وأذكر أنه كان من المقرر أن يبدأ تفريغ الحمولة في صباح اليوم التالي لوصول الباخرة وأثناء تلك الليلة هبت عاصفة قوية جداً تسببت بانقلاب الباخرة وغرقها مع حمولتها بالكامل وهو كل ما كان يملكه والدي من زيت وصابون وتمر وفي حينها قال والدي "الحمد لله رب العالمين" وأنني لا أسألك رد القضاء وإنما أسألك اللطف فيه ، وذلك عندما أبلغه مختار البحر بغرق بضاعته كلها.... وبدأ حياته بعدها من الصفر. وبعد خمسة أعوام من الكفاح والصبر تمكن من إعادة الأمور كما كانت قبل غرق الباخرة والبضائع.
برز الحاج حيدر مراد في مجال العمل التطوعي والخيري فمارسه منذ صغره فهو يشعر أنه في قمة السعادة عندما يتحسس أوجاع الآخرين فيقدم الخدمة اللازمة لهم فلا يترك جمعية خيرية أو مؤسسة تقدم العون والمساعدة للفقراء أو للأيتام إلا ويكون رئيساً لها أو عضواً فيها ومن بين هذه الجمعيات الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية التي تقدم مساعدات لأفراد داخل الأردن وخارجه بالإضافة إلى تقديم العون لشعوب العالم المنكوبة أو التي تعرضت لحروب أو لكوارث طبيعية فتجدها ترسل المؤن والمواد الغذائية والطبية والأدوية والكساء إلى البوسنة والهرسك وكوسوفو وأفغانستان واندونيسيا وفلسطين وإلى العديد من الدول الأخرى.
وعند الحديث عن إسهامات الحاج حيدر مراد في مجال العمل التطوعي والخيري فقد شغل الحاج مراد رئاسة الهيئة الإدارية لجمعية حمزة بن عبد المطلب الثقافية الإسلامية وهي عبارة عن جمعية تقدم الإيواء والرعاية الكاملة لـ 24 يتيمة حتى سن الثامنة عشرة بالإضافة إلى تقديم نشاطات خيرية يستفيد منها عدد غير قليل من المرضى والمحتاجين ، وتمثل هذه الجمعية نموذجاً للعمل الخيري الذي يقوم به مجموعة من المحسنين وأهل الخير وتسعى هذه الجمعية أيضاً إلى إيجاد مركز ثقافي واجتماعي ورياضي والتدريب المهني وإيواء المسنين. ناهيك عن ذلك فقد قام الحاج حيدر مراد بشراء قطعة أرض كبيرة في شارع المصدار وعَمًل على بناء مسجد كبير وأثثه بشكل كامل وهو مسجد يحمل اسم والده الحاج عيسى مراد.
سعى الحاج حيدر مراد لدخول غرفة التجارة وذلك تلبيةً لرغبة والده وذات يوم قرأ إعلاناً في إحدى الصحف عن فتح باب الترشح لعضويتها استعدادًا للانتخابات وكان ذلك عام 1986م. وحول دخوله لغرفة التجارة تحدث قائلاً: تذكرت رغبة والدي في دخولي عضواً في غرفة التجارة وسجلت اسمي بالفعل وإن كنت أخشى من عدم النجاح في الانتخابات خصوصاً أنني كنت صغيراً في السن بالنسبة للموجودين من أقطاب التجارة الـ "عتاعيت" وبعد انتهاء فترة الإدلاء بالأصوات وبدأ الفرز ذهبت إلى المنزل واستسلمت لنوم عميق ، لأنني لم أكن أتوقع أن أنجح ، فأيقظتني زوجتي بإلحاح وهي تقول لي بأن المحافظ يطلبك وفوجئت بأنني من أعلى نسب الأصوات وعندما سألتني الصحافة عن سر هذه الثقة الكبيرة أجبت "من يزرع يحصد". وعندما أصبحت عضواً قمت بالعديد من المهام فقد كانت هناك لجنة مجمدة اسمها لجنة التحكيم فعزمت على استلامها وتفعيلها وبالفعل كانت من أنشط اللجان حيث استطاعت أن تحل مشاكل كبيرة ، لأنني كنت أدوام في اللجنة ساعات طويلة ووضعت كل ثقلي بسير العمل فيها إذ استطعنا أن نحل مئات القضايا التي تخص التجار دون اللجوء إلى القضاء وبفضل نجاحي في هذه اللجنة فقد حققت في الدورة الثانية أعلى الأصوات وكنت نائباً لرئيس غرفة التجارة وفي الدورة الثالثة والرابعة أصبحت رئيساً للغرفة.
لقد تطور الاقتصاد الأردني تطوراً كبيراً فبعد أن كانت الدولة تعتمد على المساعدات الخارجية أصبح هناك تطور إيجابي في حركة الاقتصاد فتم تأسيس الشركات المساهمة الكبرى وارتفع مستوى التعليم بالإضافة إلى قيام عدد لا بأس به من الأردنيين بالعمل في دول الخليج العربي ، هذه الأمور وغيرها عملت على زيادة الأموال وزيادة النمو الطبيعي فارتفع مستوى المعيشة وزاد النشاط الاقتصادي وأصبحت المساعدات الخارجية تشكل نسبة بسيطة من الموازنة ، وقد سعت الدولة الأردنية الى تنظيم علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول العربية والأجنبية فتطور حجم التجارة الخارجية الأردنية استيراداً وتصديراً ، وكان للقيادة الهاشمية الحكيمة دور كبير في تطوير الاقتصاد فقد استطاع جلالة المغفور له الحسين بن طلال وبفضل جهوده من بناء قاعدة اقتصادية تشمل جميع المجالات فأقر أمور التجارة وأبرم العديد من الاتفاقيات التجارية وبعد أن تسلم الملك المعزز عبد الله الثاني مقاليد الحكم تم تعديل التشريعات والقوانين وسعى لإقامة المناطق الاقتصادية وأصبح الأردن عضواً في منظمة التجارة العالمية وقد تحقق في عهد جلالته العديد من الانجازات على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فتم تعزيز عوامل الأمن والاستقرار بشتى مجالاته وترسيخ مبادئ الديمقراطية ومأسسة الدولة ورفع مستوى كفاءة التنمية الاقتصادية وسعى جلالته للحد من مشكلتي الفقر والبطالة ، وقد تحدث الحاج حيدر مراد حول جهود جلالة الملك عبد الله الثاني قائلاً: "يقوم جلالة الملك عبد الله الثاني بجهود عظيمة لتحقيق استقطاب عالمي غير مسبوق للاهتمام بالأردن وجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة إليه وجعل الأردن قبله للمستثمرين الخارجيين مما أدى إلى زيادة الاستثمار والإنتاج والصادرات وخلق المزيد من فرص العمل والتي أجمع عليها الخبراء بأنها ستشكل جزءاً من حل مشكلاتنا الاقتصادية وما حققته هذه الجهود المباركة من إنجازات كبرى خلال السنوات الأخيرة انعكست في تحقيق معدلات نمو مرتفعة وفي الارتقاء بقدرات الأردن على تجاوز كافة الآثار السلبية للظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة".
وأضاف: "أنا فخور جداً بسياسة جلالة الملك عبد الله الثاني بالشأن الاقتصادي وهو الأمر الذي جلب للأردن سمعة كبيرة واستثمارات في كل المجالات من صناعة وتكنولوجيا معلومات وسياحة وهذا ما ألمسه بعيني عندما أسافر ومقدار الاحترام لموقع الأردن اقتصادياً".
وتمتلك الدولة الأردنية القوى البشرية المؤهلة والمدربة وهي بحد ذاتها تشكل الأساس لانطلاق الاقتصاد الأردني فالأردن يعتبر البوابة الرئيسة لدخول أسواق العراق وفلسطين ودول الخليج وأسس الأردن البنى التحتية من الخدمات الرئيسية والمناطق الصناعية المؤهلة والمدن الصناعية والمناطق الحرة وعلى رأسها منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة كما أثمرت جهود جلالته عن إنشاء مناطق تنموية في الشمال (إربد) يتم استثمارها في تكنولوجيا المعلومات والأمور الطبية وفي منطقة الوسط (المفرق) وهي منطقة لوجستية تركز على قطاعات الشحن والتوزيع والتخزين والصناعة وفي منطقة الجنوب (معان) وهي منطقة تنموية خاصة للصناعات الإنشائية وفي التدريب بالمجالات المهنية وهذه كلها مناطق جاذبة للاستثمار استطاع الأردن بها استقطاب استثمارات خارجية بمئات الملايين من الدولارات لما يتوفر فيها من حوافز ومزايا وإعفاءات ضريبية وتشجيعية.
تشهد غرفتا التجارة والصناعة تعاونا وثيقا فيما بينهما فالتجارة تأتي مكملة لدور الصناعة فتجد هناك تنسيق مشترك للترويج للصناعة الوطنية ويتم إعطاء التاجر دوراً هاماً في تسويق منتجاته ، لذلك فإن تنمية الصناعة والتجارة يتم بالتعاون مع الجهات الرسمية.
عّرف الحاج حيدر مراد باهتمامه بتجارة الكهربائيات على الرغم من أن والده كان تاجر حبوب بالدرجة الأساس وحول دخوله هذه التجارة بيَّن بأن شقيقه أحمد درس تصليح التلفزيونات والكهربائيات فبدأوا بمحل بسيط لتصليح وبيع التلفزيونات ، وهكذا فقد توسعوا بشكل تدريجي إلى أن أصبحت شركتهم من أكبر شركات البلد في هذا القطاع وأما سبب نجاح هذا النوع من التجارة يعود إلى أنهم كانوا يقدمون خدمات ما بعد البيع فكانوا يلبون جميع الطلبات التي تصل إليهم وتتعلق بالصيانة.
كرَّم جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه الحاج حيدر مراد فقد منحه وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثالثة وذلك تقديراً لدوره في مجال الأعمال الخيرية والتطوعية وخدمة المجتمع وقد تفضل جلالته برعاية الحفل الذي أقامته غرفة تجارة عمان وتم تكريمه بأن أنعم عليه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه بدرع غرفة تجارة عمان وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني فقد تم تكريمه باختياره عضواً في مجلس الأعيان الأردني ومنحه وسام الاستقلال الاقتصادي.
وهكذا فإن مسيرة حياة الحاج حيدر مراد تعتبر مثالاً يجدر بالجميع الاقتداء به لشخص عصامي مثابر أثبت وجوده وما توانى يوماً عن تقديم كل جهوده في دعم اقتصاد هذا البلد وتقديم يد العون لكل صاحب حاجة.
فهو أحد الاقتصاديين الأردنيين المشهود له في بناء المؤسسات الاقتصادية الرائدة وتطويرها حيث تعلق بالعمل التجاري وتطوير المشاريع الاقتصادية فهو واحداً من الشخصيات الاقتصادية المعروفة في الأردن في الخمسين عاماً الماضية. أطال الله في عمر الحاج حيدر مراد "الدستور"
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |