أبـو صـياح .. قريـة خـارج المـكان والـزمان


رم -
رم - تراثنا  

رحلة طويلة وشاقة للوصول الى قرية "ابوصياح" رغم انها تتبع لمناطق امانة عمان الكبرى ، وبالتحديد لمنطقة ماركا وعلى بعد 35 كليومترا من شرق عمان.

حكاية قرية ابوصياح مثل باقي الحكايات.. حكايتهم فيها غصة والم وامراض وفرص عمل مفقودة وغياب للخدمات "النقل والكهرباء والماء" ومكاره صحية وتلوث وضياع اراض واقتلاع اشجار ، حكايتهم خلاصتها ان قريتهم خارج الزمان والمكان. 

واقع حال قرية ابوصياح لم يختلف كثيرا عن احياء ومناطق كثيرة في مدينة عمان حيث مشاهد الفقر والعوز بدت واضحة على سكان تلك القرية ناهيك عن انعدام توفر البنية التحتية الاساسية للسكان ، فالقرية معزولة عن عمان ، بحكم انعدام شبكة النقل العام الواصلة بين القرية ومناطق العاصمة القريبة لها.

لم تبق وسيلة اعلامية الا وكتبت وتناولت مأساة هذه القرية وعزلتها وتحدثت عن معاناة الاهالي ، وتابعنا كل الردود وكل الاجابات والكلام نفسه لا يتغير ، وحجة الحكومة ان بيوت اهالي القرية مقامه على اراض تعود ملكيتها لخزينة الدولة ، والغريب ان المواطنين لديهم الوثائق التي تؤكد شرائها الاراضي بـ"حجج" حاصلين عليها من دائرة الاراضي والمساحة ، ومع ذلك لازالت القرية عالقة بين قرار الحكومة بازالة الاعتداء على اراضيها وتوجه امانة عمان بحل اشكال القرية التنظيمي باتباعها لامانة عمان وايصال الخدمات اليها ، وهكذا يبقى الكلام والوعود وتغيب الافعال ، والخاسر الوحيد اهل القرية. 

وللاسف لا يجد اهل القرية والبالغ عددهم نحو تسعة الاف مواطن والذين لا تصلهم خدمات الكهرباء والماء لرفض امانة عمان اصدار اذون اشغال لبيوتهم سوى البكاء والصراخ والاحتجاج وسيلة للتعبير والشكوى ، بعدما تلقوا وعودا حكومية عمرها يقارب العقد من الزمان ولكن دون جدوى. 

اما ما دفعنا الى الكتابة هذه المرة ، فهوالاف المواطنين الذين يعيشون دون ماء ولاكهرباء ، وما شهدناه من الم يعتصر قلوبهم وكانهم لا يعيشون في القرن الحادي والعشرين وعلى مشارف مدينة عمان ، ونستغرب وبعد كل هذه السنوات ان يتذكر المعنيون ان هناك قرية في الاردن مقطوع وصلها مع الحضارة والمدنية.

في قرية "ابوصياح" لا يوجد مركز صحي ، فاهالي القرية يقطعون نحو خمسة كليومترات مشيا على الاقدام للوصول الى المركز الصحي الموجود في قرية خالد ابن الوليد ، وحال المركز الطبي في القرية المجاورة لا يختلف عن غيره من المراكز الطبية التي تفتقر للادوية والاجهزة الطبية البسيطة التي يحتاجها الفريق الطبي العامل في المركز ، وكما ان المركز لا يحتوي الا على بعض المسكنات وادوية السعال وجهاز لفحص ضغط الدم قديم ويعتقد اهالي "ابوصياح" انه يقيس ضغط دمهم بالمقلوب.

والمعاناة مستمرة

يقول اهالي القرية انهم لم يتركوا بابا الا وطرقوه ولعل تصل صرختهم الى الجميع وهذه المرة كان مقصدهم جريدة "الدستور" ومطالبهم تتركز على ثلاثة خدمات النقل العام والماء والكهرباء ، ناهيك عن عن مطالب خدمية اخرى تفتقدها القرية ولكنها بنظرهم ليست باهمية "الكهرباء" التي تغيب عن القرية منذ اعوام طويلة.

ويلجأ اهالي القرية لطريقة لا تخلو من الخطورة في الحصول على تيار كهربائي يوصل الانارة لمصباح او "لمبة" تضيء لهم مكان جلوسهم ومنامهم ، اذ تقوم عشرات المنازل بمد اسلاك كهربائية خارجية للحصول على الكهرباء من المنازل الحاصلة على الكهرباء بطرق قانونية ، ويكلف هذا التوصيل البيوت الحاصلة عليه 20 دينارا شهريا.

المواطن ابوشفيق البريجي احد سكان القرية "متقاعد من الامن العام 60 عاما" اكد لـ"الدستور" ان قرية ابوصياح تعاني من انعدام خدمات ايصال التيار الكهربائي والماء ووسائل النقل العام منذ عدة عقود ، وان اهالي القرية بدأوا يهاجرون رغم ما يعانونه من فقر وعوز الى مناطق اخرى بحثا عن حياة فيها ابسط الخدمات الانسانية والحياتية.

ويروي اهالي القرية قصة طريفة ومؤلمة عن سيدة طلبت من زوجها الطلاق لانعدام الكهرباء والماء في منزلهم ، وان زوجها لم يستطع فعل شيء ، فهو غير قادر على الانتقال لمنطقة اخرى لاستئجار منزل جديد وكان مصير الاسرة التشتت لانعدام ابسط حقين خدميين هما الماء والكهرباء.

وتقول ام احمد وهي سيدة تعيل اسرة مكونة من سبعة افراد ، ووزجها يعمل في احد الكسارات والمقالع القرية من القريبة وراتبه الشهري 220 دينارا ، ان بعض السيدات الحوامل لم يستطعن الانجاب بطرق صحية وسليمة لانعدام المواصلات ما تسبب في وفاتهن في بعض الحالات او وفاة الجنين في حالات اخرى.

ويضيف ابوشفيق ان مسؤولين حكومين كثر زاروا القرية وطالعوا على واقعها وغياب الخدمات عنها ، ولكن هذه الزيارات كانت دون جدوى فاهالي القرية مازالو ينؤون تحت عذاب الظلام والعطش والعزلة.

ويشير ابوشفيق الى ان نقص المياه ورفض الجهات المعنية ايصالها لاهالي القرية لعدم حصولهم على اذون اشغال ، يوقع على المواطنين تكلفة مالية اضافية للحصول على الماء من خلال شرائها بواسطة صهاريج وتنكات تبلغ تكلفة الواحدة منها 20 دينارا ولا تكفي البيت الا اسبوعين.

وخلال تجوال فريق "الدستور" في قرية ابوصياح وجد انها تعاني فقر وضعف في خدمات اخرى كالنظافة والطرقات.. والقرية لا يوجد بها حاوية لجمع النفايات والاوساخ كما ان سيارات جمع النفايات التابعة لامانة عمان لا تصل الى القرية على الاطلاق ، طرقها مازالت ترابية وغير "مزفتة" وكما ان بعض الطرق مليئة بالحجارة والصورة ابلغ في وصف ذلك احيانا.

مظاهر الفقر ترافقك اينما تنقلت في حدود قرية ابوصياح ، لا ينفك عن خيالي صورة عائلة يونس عودة المكونة من سبعة افراد وتسكن في غرفتين دون حمام ولا شبابيك ، ولا ماء ولا كهرباء وبنائها عشوائي معرض لانهيار في اي لحظة دون ريب ، فالمنزل مبني من طوب ابيض وغير مطلي بالاسمنت وداخله رمل ابيض ينام عليه الاطفال دون فراش او وسائد الا "قطعة حصير" بلاستيكية صغيرة يجترها الاطفال بينهم. 

وماذا بعد؟

بعيدا عن التأويلات وتبادل الجهات المعنية واهالي القرية بتحمل المسؤولية ، هل ننتظر مع اهالي القرية سنوات وسنوات قادمة للنظر في احوالهم ، وماذا سيكون رد الجهات المعنية ، رئيس اللجنة المحلية وعضو مجلس الامانة محمود الدعجة يقترح حلا يصفه بانه واقعي وقابل للتطبيق ويخرج القرية من ازمتها ، وينص الحل المطروح من الدعجة على ان تقوم الحكومة بتمليك اهالي القرية الاراضي التي اقاموا بيتوهم عليها مقابل التزامهم بتقسيط المبالغ المالية المستحقة عليهم بدل ثمن الاراضي لخزينة الدولة.



عدد المشاهدات : (23808)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :