رم - لا يعدّ سهل مرج ابن عامر في جنين شمال الضفة الغربية، مجرد أرض زراعية سهلية؛ بل هو جزء من هوية المنطقة المرتبط وجدانيا بكل من سكنها قديما وحديثا، وتعود تسميته إلى "بني عامر"، الذين استقروا فيه منذ بداية الفتوح الإسلامية.
سلة غذاء فلسطين، وأكبر سهولها على الإطلاق، تقدر مساحته بنحو (360كم2)، وتنتشر فيه القرى من جنين إلى حيفا، وتكاد جميع أرجائه تكون مستغلة في زراعة مختلف المحاصيل؛ لأن تربته خصبة تصلح للزراعة المروية والبعلية على السواء.
تكمن أهمية مرج ابن عامر، في أنه يتمتع بميزة جغرافية تمنحه مكانتة استراتيجية؛ فهو يربط الساحل بالداخل، والأغوار بالجبال، كما تتميز تضاريس سطحه بالبساطة، ويسود فيه مظهر سهلي منبسط تعلوه بعض التلال الصغيرة، التي تقبع عليها خرب قديمة، تدل على إعمار قديم للسهل من إنسان العصور الحجرية وما بعدها.
وورد في الموسوعة الفلسطينية أن أحد الرحّالة وصف مرج ابن عامر، في أواخر القرن التاسع عشر، بالقول: "بحيْرة خضراء يتماوج قمحها حول قرى ودساكر ناهضة كالجزائر فوق روابٍ مستقرة آمنة".
وفي حقبة الانتداب البريطاني، بدأ الاستيطان يتغلغل إلى مرج ابن عامر، الذي أصبح جزء كبير منه يقع خلف ما يسمى "الخط الأخضر"، لتنشأ أولى المستوطنات فيه وهي العفولة، تبعتها عشرات المستوطنات الأخرى التي تحاصر القرى العربية فيه سواء في جنين أو أراضي الـ48 ، ومنها: صندلة، ومقبيلة، وعرابة، وتعنك، وخربة ليد، وجنجار، وتل العدس، وأبو شوشة، وخنيفس، واليامون، وكفردان، ورمانة، وزبوبة.
معارك خالدة
من جانب آخر، يشتهر مرج ابن عامر بأحداث تاريخية مهمة؛ فقد شهد معركة مجد أو اللجون عام (1479) قبل الميلاد، والتي قادها الفرعون المصري تحتمس الثالث، ومعركة عين جالوت 1260م، والحملة الفرنسية الفاشلة لنابليون عام 1799م، ومعركتي جنين: الأولى (المدينة) عام 1948م، وجنين الثانية (الأرياف) بتاريخ (9/7/1948م).
أرض الخير
ويشير المزارع محمد مرعي من بلدة كفردان، بحسب موقع "المركز الفلسطيني للإعلام"، إلى أن مرج ابن عامر يزخر بكل المزروعات البعلية والمروية، وكروم الأشجار المثمرة، ويشغل آلاف العمال من جنين، سيما في المواسم الرئيسة، كموسم الخيار.
ولكن "مرعي" يشير إلى أن أرض السهل، بفعل الإفراط باستخدام المبيدات الزراعية الكيماوية، فقدت جزءا من خصوبتها، ويستذكر كيف كان "المرج" عنوان زراعة البطيخ في فلسطين، (كان وزن الواحدة منها يصل لـ20 كلغ)، وأما اليوم فقد ماتت هذه الزراعة، وأصيبت الأرض بأمراض منها "الفيزاريوم"، والذي يفشل زراعة البطيخ، (بدأ يعود من خلال نوعيات محسنة ولكن بكميات خجولة).
ويعدّ نهر المقطع أحد الأودية الشهيرة في مرج ابن عامر، وأطول أودية فلسطين، وفيه مجرى دائم في بعض مناطقه الشمالية، ومتقطع في مناطق أخرى.
ويؤكد مدير مركز الباشا العلمي للدراسات، د.وليد الباشا، لمراسلنا، أن هذه المنطقة تحوي تنوعا حيويا كبيرا، منبّهًا إلى أن وادي المقطع كان نهراً يمتد من مرج ابن عامر إلى البحر المتوسط، وله أربعة روافد من مدينة جنين، وهي: (عين نيني، وعين الشريف، وعين الحجر، وعين الصفصافة)، وبقيت هذه العيون غنية بمياهها العذبة وتنوعها الجميل إلى النصف الأول من القرن الماضي.
ويستدرك أن الوادي كما المرج، يتعرض إلى عمليات تلويث كبيرة تهدد التنوع الحيوي فيه، حيث أصبح مهدداً بالزوال، "في ظل انتهاكات للمزارعين من حرق للقصيب وتحويل المجرى، واختلاط المجرى مع المياه العادمة من مدينة جنين ومخيمها".
وأوضح الباشا، أنه خلال أكثر من عشر سنوات من دراسة التنوع الحيوي في المنطقة، تم توثيق العديد من الحيوانات الشائعة والغريبة في هذا المجرى، إضافة إلى 37 نوعا من الطيور.