حُكم الإسلام بأكل لحوم القنفد


رم - تعتقد القبائل البدوية في الجزيرة العربية ان اكل لحم القنفذ يساعد في علاج الكثير من الأمراض مثل الروماتيزم والسل والتهاب المفاصل والعجز الجنسي. في حين يحرق جلد القنفذ واشواكه في المغرب لاستنشاق دخانه بهدف علاج الحمى والربو والأمراض البولية. بينما تستخدم المطاعم في بريطانيا نكهة القنفذ مع رقائق البطاطس لفتح شهية الزبائن على الرغم من ان المنتج لا يحتوي على قنافذ. وقد اختلف علماء الاسلام رحمهم الله أجمعين في حكم أكل لحم القنفذ فمنهم من حرمه كالامام أحمد والامام أبو حنيفة لحديث ورد عن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه قال: (كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ، فتلا هذه الآية ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ الأنعام: 145، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خبيثة من الخبائث ، فقال ابن عمر : إن كان قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال) رواه أحمد وأبو داود، ومنهم من أباحه عملاً بأصل الاباحة كالامام مالك والامام الشافعي. وبسبب التطور العلمي الحديث فقد تبين الكثير من الحقائق عن بعض الخصائص البدنية والنظام الغذائي للقنفذ، ولذلك يتوجب على المسلم النظر الى هذه الخصائص المكتشفة قبل المضي قدماً في اكله.

. بعض الخصائص البدنية والنظام الغذائي للقنفذ


القنفذ معدود عند علماء الاسلام من أنواع الحشرات التي لها دم سائل، بينما يعدّه علماء الحيوان من الثدييات. وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة ان القنفذ يعتاش على أكل الحشرات والصراصير والخنافس وأم أربعة وأربعين والديدان والزواحف والسحالي والعقارب والضفادع والثعابين الصغيرة والخضراوات والفواكه ولذلك فهو وسيلة مهمة للقضاء على الحشرات والزواحف السامة، ومع ذلك فالقنفذ لا يسمح لاسرته ان تموت جوعاً ولذلك يبحث عن مصادر غذائية أخرى كأكل بيض الطيور والفئران الصغيرة والجيف.

وتشير الدراسات العلمية الحديثة الى ان انثى القنفذ تلد من 3 الى 6 قنافذ بعد فترة حمل تتراوح بين 33-35 يوما تختلف فترة الحمل وعدد الصغار من نوع لاخر وهي تلد مرة واحدة في العام وتكون الصغار عن ولادتهم عرايا من الشوك وتتفتح اعينهم بعد اسبوع ويستطيعوا الاكل بعد مرور 3 اسابيع ولكن قواطع اسنانها لا تنمو بشكل مستمر كما يحدث لقواطع القوارض، حيث للقنفذ بعد فترة نمو طويلة 10 قواطع و4 أنياب و22 ضرساً أمامياً.


وتكشف الدراسات العلمية الحديثة ايضاً ان القنافذ على عكس القوارض لا تمتلك غدد تفرز رائحة، وبالتالي ليس للقنافذ رائحة جسم قوية، كما ان بولها على عكس الخنازير لا يحتوي على الأمونيا، ولكنها تعاني من أمراض شائعة مثل سرطان الخلايا الحرشفية ومرض الكبد الدهني وأمراض القلب والأوعية الدموية وتسوس الأسنان والتهاب اللثة، وبسبب هذه الأمراض أو الافتراس لا تعيش القنافذ في البرية مدة أكثر من 3 سنوات، في حين يعيش القنفذ الصحي البعيد عن البيئة الخطرة مدة تصل الى 10 سنوات، بينما تكمن خطورة القنفذ على الانسان بنقل عدوى مرض السعفة، وهو التهاب فطري معدي يصيب جلدة الرأس.

. القنفذ يعد من الحيوانات المفترسة والجارحة


على الرغم من امتلاك القنافذ الكبيرة العمر انياب الا انها لا تعد من السباع، فعن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)، رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود. فالحديث مشروط بذوات الناب أن تكون من السباع التي تأكل اللحوم كالأسد والنمر والقط، ومع ذلك فالدب على سبيل المثال ليس من السبعيات وهو ذو ناب فتاك ومحرم لحمه. وبعبارة اخرى، فالأصل في الاحكام الشرعية ان يكون الناب لافتراس اللحوم. وفي المقابل، تشير الدراسات العلمية الحديثة الى ان القنفذ يصطاد طرف الثعبان وكلما أراد الثعبان ضربه ليفلت منه التصق به من أشواكه فيزداد الثعبان الماً حتى تخر قواه ثم يبدأ اولاً بأكل رأس الثعبان باسنانه وينتهي من تناول لحمه بعد مرور عدة ساعات. ولقد أثبت علم التغذية الحديث أن الشعوب تكتسب بعض صفات الحيوانات التي تأكلها بسبب احتواء لحومها على سميات معينة تسري في دماء الإنسان إلى الدماغ وتؤثر على سلوكهم. فالحيوان المفترس عندما يرى الفريسة يفرز جسمه هرمونات خاصة تساعده على القتال والجري بسرعة لاصطياد هذه الفريسة. لذلك نجد أن الشعوب والقبائل التي تأكل من لحم الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة كالدببة والاسود والنمور والنسور والصقور تكتسب بعض صفاتها بسبب انتقال هذا الهرمون لجسدها أثناء الطعام. وعلى ضوء مما تقدم، يبدو والله اعلم ان كل لحم القنفذ البري حرام شرعاً لانه من الحيوانات المفترسة والجارحة التي لديها انياب واشواك جارحة. وبعبارة أخرى، يحرم والله اعلم أكل لحم القنفذ في الأوضاع العادية ما لم يثبت عدم افتراسه الثعابين والفئران الصغيرة في البيئات المفتوحة كالبراري والصحاري، قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ البقرة: 195، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه ابن ماجه.

القنفذ لا يعد من الجلالة

طالما ان القنفذ يأكل من الميتات النجسة في الحالات والاوضاع الخاصة ولا يظهر تأثير ذلك في لحمه ورائحته لعدم امتلاكه الغدد المسؤولة عن الروائح، فانه لا يعد من الجلالة. فالجلالة : اسم يشمل أي حيوان يتغذى في الغالب على النجاسات والجيف. قال السرخسي رحمه الله في المبسوط: (وَتَفْسِيرُ الْجَلَّالَةِ : الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ .. فَيَتَغَيَّر لَحْمُهَا، وَيَكُونُ لَحْمُهَا مُنْتِنًا فَحَرُمَ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ ... وَأَمَّا مَا يَخْلِطُ فَيَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ وَغَيْرَ الْجِيَفِ عَلَى وَجْهٍ لا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ مِنْ لَحْمِهِ، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ). وقال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب: (لَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي عَرَقِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَجَلَّالَةٌ، وَإِلَّا فَلَا). وقال أبو المعالي الجويني رحمه الله في نهاية المطلب: (لا تعويل على الاستكثار من النجاسة والاستقلال منها، وإنما التعويل على ظهور الرائحة، وذلك يَبِينُ عند الذبح). ولذلك يبدو والله اعلم ان اكل لحم القنفذ حلال شرعاً -شريطة ان لا يكون من الحيوانات المفترسة والجارحة الأكله للثعابين والفئران الصغيرة- طالما انه ليس من الجلالة ويتغذى على الفواكه والخضراوات والحشرات والديدان والزواحف كالدجاج والحمام والبط والاوز والارانب. وبعبارة أخرى، يباح والله اعلم أكل لحم القنفذ في حال تربيته على الفاكهة والخضراوات في منازل خاصة معدة لهذا الغرض، قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾، الأعراف: 157.

. التوفيق بين تحليل وتحريم اكل لحم القنفذ في الحالات الخاصة


كما تقدم فمعظم الناس في الجزيرة العربية يأكلون لحم القنفذ البري لاسباب خاصة تتعلق بعلاج امراض معينة، فلا بأس من ذلك في حال عدم توفر علاج بديل فعال لهذه الأمراض، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، البقرة: 173. ومع ذلك هناك شروط معينة يجب اتباعها:

1. ان يطيب القنفذ البري لمدة تتراوح بين 3-7 أيام، أي يعتاش على الفاكهة والخضراوات فقط، فمن العلماء من وَقَّت لحبسها قدرا معيناً، ففِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أربعين يَوْمًا، وَفِي الْغَنَمِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الدَّجَاجِ ثَلَاثَة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (فَإِذَا حُبِسَتْ حَتَّى تَطِيبَ كَانَتْ حَلَالًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي لَبَنِهَا وَبَيْضِهَا وَعَرَقِهَا، فَيَظْهَرُ نَتْنُ النَّجَاسَةِ وَخُبْثُهَا، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ طَاهِرَةً، فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةِ زَالَ بِزَوَالِهَا).

2. ان يكون القنفذ صحي وحيوي وقادر على فتح عينيه على مصراعيها وان يكون مشيه بحرية من دون تعرج أو تذبذب وان يكون انفه رطب ونظيف وتنفسه منتظم. كما ينبغي فحص جلده للتأكد من عدم وجود كتل أو مطبات أو بقع عارية أو عث أو جفاف مفرط. وبالاضافة الى ذلك، ينبغي تجنب اكل لحم القنفذ الكسول أو الممل أو الذي لديه افرازات مخاطية او مصاب بالاسهال، فكل هذه العلامات تشير الى اصابة بمرض معين. واخيراً، الروث الأخضر للقنفذ يشير الى انه مريض بالفعل.

3. كلما كان عمر القنفذ صغيراً كلما كان أفضل تناول لحمه، وتقل الفرص مع كبر عمره لظهور انيابه وتزايد قدرته على افتراس الثعابين والفئران الصغيرة.

. الخلاصة

يحرم أكل لحم القنفذ في الأوضاع العادية ما لم يثبت عدم افتراسه الثعابين والفئران الصغيرة في البيئات المفتوحة كالبراري والصحاري. ويباح أكل لحم القنفذ في حال تربيته على الفاكهة والخضراوات في منازل خاصة معدة لهذا الغرض. اما في الحالات الخاصة لاستخدام لحم القنفذ البري للعلاج او لسدّ نقص الغذاء على سبيل المثال، فيباح أكل لحمه ضمن شروط معينة لتجنب الأمراض المنقولة. وبصورة عامة، كلما كان عمر القنفذ البري صغيراً كلما كان أفضل تناول لحمه، وتقل الفرص مع كبر عمره لظهور انيابه وتزايد قدرته على افتراس الثعابين والفئران الصغيرة.

والله اعلم بالصواب




عدد المشاهدات : (5114)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :