رم - - في الحارات والزقق الصغيرة، ما تزال “الدكاكين” تحافظ الى حد ما على مكانتها، تحديدا في القرى. وتحتفظ بخصوصيتها عند الأطفال وأرباب الأسر، لأنها تزود البيوت بالمؤن من الأغذية ومستلزمات البيت “المتواضعة”.
وعبر سنوات ماضية، كان “الدكنجي” يحمل الكثير من أسرار البيوت في “دفتر الديون”، يعرف الأوضاع الاقتصادية للبيوت التي حوله، وتفاصيل حياتهم، وكان “الدكان” أحيانا مكانا يستريح به رب الأسرة ليفضفض عما بداخله لصاحبه.
وتقبع في العديد من الحارات “الدكاكين” التي كانت لحقبة طويلة من الزمن المكان الوحيد الذي يؤمن أغراض البيت البسيطة، فيها أنواع من السكاكر والحلوى التي لم تعد تتوفر في محلات أخرى.
بيد أن الكثير من الاشخاص يرتادون تلك الدكاكين في أوقات الضرورة فقط، لشراء سلعة بسيطة وعابرة، واصبح الأطفال هم الزبائن الأكثر نشاطاً في “دكان الحارة”، لتحل المحلات التجارية بديلاً منها بموظفيها الكُثر.
وفي إحدى شوارع السلط القديمة، هناك دكان الثمانيني عبد الله المناصير الذي يجلس فيه منذ العام 1973، داخل مبنى قديم جداً، يحوي مجموعة من البضاعة القديمة التي كان أهالي المدينة يبتاعونها، ولم يرغب بتغيير تلك المنتجات، وبقي كسابق عهده تاجراً “تقليدياً”.
ويقول المناصير إن أبرز المنتجات التي يبيعها في دكانه هي السمنة والجميد والقهوة والهيل، بالاضافة إلى بعض مستلزمات البيت التي كانت تحتاجها ربات البيوت في القديم مثل الخيوط الكبيرة التي كانت تخيط بها السيدات بيوت الشعر أو الأكياس الكبيرة لتخزين المؤن ولتخزين طعام المواشي.
ويؤكد المناصير أن أبرز البضاعة التي ما يزال يبيعها وله العديد من الزبائن هي مادة “الدخان الخام”، أو ما يُسمى بـ “التتن أو التبغ”، والتي حرص على بيعها منذ السبعينيات، ومستمرة تلك التجارة إلى هذه الايام، وتباع بأسعار مناسبة بحوالي “20 دينارا للكيلو”.
ويعتقد المناصير أن الدكان لم ينقرض حتى الآن، على الرغم من وجود المحلات التجارية الكبيرة التي تضم مجموعة من المنتجات المتنوعة والكثيرة وتلبي رغبة الزبائن من كل مكان ولمختلف الأعمار.
غير ان دكانه لا يقفل وينتظر زبائنه بشكل يومي، ليبيع ما يطلبونه من بضائعه المحدودة، إذ يبيع بالإضافة إلى ما ذكر، منتجات يوصي بها زبائنه الكبار بالسن مثل الكوفية والعقال، وبعض أمواس الحلاقة القديمة.
وعلى الرغم من أن بعض تلك المنتجات لم يعد يشتريها الناس كما في السابق، إلا أن المناصير يبقى ثابتاً في دكانه القديم والمتواضع ومن حجارة السلط القديمة.
ويقول الثلاثيني أكثم جواد إنه لا يتذكر آخر مرة دخل فيها الدكان القديم في الحارة، إذ إنه يشتري معظم أغراض ومستلزمات البيت من المؤسسات التجارية أو المولات التي عادةً ما تقدم عروضاً وخصومات للمنتجات الغذائية والمنزلية.
ويردف جواد بالقول إن الدكان لم يعد كالسابق، ولا يقبل عليه الكثيرون، بيد أن أطفال الحارة يتهافتون على الدكان لما تضمه من منتجات غذائية وسكاكر بأسعار زهيدة.
وعن ذكرياته مع دكان الحارة، يتحدث جواد بنوع من الحنين الذي يرتبط بالدكان وذكريات الطفولة، وكيف كان يستغل أي مبلغ مالي قليل معه لشراء السكاكر من الدكان القديم في الحارة، والذي حوله صاحبه فيما بعد إلى محل تجاري كبير أصبح يبيع فيه العديد من المنتجات والخضار والفواكه وحتى الأدوات المنزلية.
أما الخمسيني فوزي مسلم، فيملك دكانا قديما، افتتحه في الثمانينيات، حيث ورث تلك المهنة عن والده، الذي كان يمتلك دكاناً صغيراً في ستينيات القرن الماضي، إلا أنه بعد أن بلغ من العمر عتيا، وأغلق الدكان ولم يعد متجراً كما كان في السابق، وتحول فيما بعد إلى مخزن للعائلة.
إلا أن مسلم عاد لإنشاء دكان له يتاجر فيه بكل ما تحتاجه العائلات في الحارة، على حد تعبيره، ومن هنا أصبح الملجأ لكل العائلات للشراء، على الرغم من أن البيع أقل مما كان في السابق، إلا أن الدكان يبقى من أساسيات الحارة في مجتمعنا الأردني، وفي كل مكان.
ويبين مسلم أن الدكان في البداية كان يضم فقط المنتجات الغذائية وبعض مستلزمات البيت، إلا أنه الآن يضم بين رفوفه الكثير من المنتجات والصناعات، سواءً غذائية أو من أدوات منزلية، ومجمدات وخضار وفواكه والعديد من احتياجات الأسرة.
ولا يزال مسلم يستذكر دكان والده القديم المُظلم ليلاً، لعدم وجود الإنارة، وكيف كان والده يقفل الدكان منذ ساعات المغرب، ويحمل لبيته ما تحتاجه والدته من احتياجات بسيطة، ويحمل في يديه دفتر الديون الذي يضم بين سطوره كل ما احتاجته الأسر في الحارة أو القرية خلال شهرٍ كامل، وقد يكون سداد الدين عبارة عن حبوب أو نقود أو أي شيء آخر قد يسد حاجة صاحب الدكان ولا يتوفر لديه.
وكثير من العائلات تُفضل أن يكون هناك دكان قريب من المنزل الذي يسكنونه، إذ عادةً ما تحتاج ربة المنزل بعض المستلزمات السريعة، لتجد من الدكان الملجأ لها، كما ترى ذلك أم فراس.
وتقول أم فراس إنها كانت محظوظة لوجود دكان قريب من منزلها الذي تسكنه في إحدى ضواحي عمان، إذ إنها في بعض الأحيان وخلال إعدادها للطعام، تحتاج بعض الأشياء السريعة، لتجدها في الدكان القريب، كما يرسل لها أحيانا أحد العاملين ليوصل لها طلباتها.
وتؤكد أم فراس أن أكثر ما يشعرها بالسعادة والراحة هو أن صاحب الدكان يعتبر رجلا معروفا في كل الحارة، ويعرف جميع أفراد العائلة في المقابل، لذلك يمكن أن يقوم ببيع أي شيء تحتاجه وتسجيله على “دفتر الديون”، كما يسمونه، وهذا دليل على وجود علاقة اجتماعية جيدة وودودة بين سكان المنطقة الواحدة.
إلا أنها في ذات الوقت، تشتري مستلزمات البيت بشكل شهري من المؤسسات التجارية أو المولات باسعار تفضيلية، إذ إن شراء أغراض المنزل دفعةً واحدة ينعكس على متطلباتها خلال الشهر الكامل، ولا تضطر للشراء من البقالة بشكل يومي، إلا ما تحتاجه في ظرف طارئ أو ما يشتريه ابناؤها من حلويات وسكاكر من الدكان.
وتبقى “الدكاكين” تحمل على أبوابها وأدراجها ذكريات الكثير من الأولاد والفتيات يتراكضون عليها في ايام العيد لشراء الحلوى بنكهة وطعم مختلف، ولا تزال رائحته في أنفاسهم لغاية هذا اليوم. الغد
كل شيء قديم حلو وله ذكريات جميله،،،،قديمك نديمك لو الجديد اغناك،،،
وبقالة ( دكان) العم المناصير هي عنوان الماضي ( الزمن الجميل )