نابشو الحاويات .. «مهنة» متوارثة يتمسك بها اصحابها ويصفونها بالممتعة


رم -

يبدأ سليمان42 عاما ، جولته الصباحية الأولى ، بنبش وتجميع موجودات الحاويات حاملا على ظهره كيسا كبيرا من القماش السميك ، ليضع بداخله حصيلة ما غنمه من مواد مصنعة من البلاستيك ، والنحاس ، والصفيح ، والكرتون. يقوم بتجميعها في الساحة الداخلية لمنزله ، ومن ثم يعمل على فرز وتصنيف كل مادة على حدة. الى ان يحين موعد جولته المسائية الثانية والتي يعتبرها سليمان بأنها الجولة (الرئيسية) ، والتي تبدأ من الساعة الرابعة عصرا وتستمر حتي الثامنة مساء .
لم يجد سليمان أي حرج وهو يحدثنا عن (مهنته) والتي اعتبرها على حد تعبيره - مهنة شريفة جدا - مشيرا الى إنه لا يتعدى على حق احد ، ولا يتسبب بالضرر لأي جهة ، بل على العكس فانه يجد في عمله جانبا كبيرا من المحافظة على البيئة من خلال إنه يقوم بإغلاق اكياس القمامة ووضعها داخل الحاوية في حال افضل مما كانت عليه قبل ان ينبشها ويأخذ منها ما يمكن ان يستفيد منه .
ويجد سليمان في مهنته هذه التي ورثها عن والده والذي يعمل فيها منذ عشرين سنة ، متعة كبيرة ، بالرغم من الجهد والتعب الكبيرين الذين يبذلهما وهو يقوم بتجميع المواد وفرزها ومن ثم بيعها. يقول سليمان : كل شيء داخل الحاوية يمكن أن استفيد منه في بيعه ، واشار الى ان المواد التي يجمعها من الحاويات يقوم ببيعها بالكيلو ، فكيلو البلاستيك يباع بـ"دينار ونصف" وكيلو الصفيح بـ"دينارين" وكيلو الكرتون السميك "بدينار" أما كيلو "النحاس" والذي أطلق عليه سليمان أسم (كنز الحاويات) فيصل سعره الى أربعة دنانير.

 

امانة في العمل

ومن ضمن المواقف التي واجهت سليمان خلال جولاته في نبش الحاويات ، يذكر قبل عشرة سنوات عندما كان يفتش في احدى الحاويات في منطقة (ضاحية الرشيد) ، عثر على "عقد من الذهب" من الوزن الثقيل ، وحول هذه الحادثة يقول : مع الزمن اصبح لدي خبرة جيدة بتمييز نوع المواد التي التقطها ، ولذلك فقد استطعت ان أميز ان هذا العقد مصنوع من الذهب .
وأضاف : لم أعرف وقتها ماذا افعل فكرت بتسليم العقد الى مركز الشرطة في نفس الحي ، وبينما كنت متجها الى المركز الأمني قابلتني امرأة شعرت للوهلة الأولى بأنها صاحبة العقد ، وما عزز شكي كان عندما توقفت المرأة عند الحاوية وبدأت تبحث عن شيء ما.. وقتها لم اتردد بالرجوع اليها وسؤالها :(هل تبحثين عن شيء ما)؟ فاجابتني على الفور فقدت عقدي الذهبي ، وعندما طلبت منها ان تصفه لي ، وصفته لي بدقه وتأكدت بأنها صاحبته على الفور ، فاخرجته من جيبي وناولتها إياه.
ويصف سليمان تلك اللحظة التي بكت فيها هذه السيدة من شدة الفرح وهي تقول له الحمد لله إنه(مال حلال) وعرضت عليه مكافأة مقابل أمانته إلا أنه رفض واكتفى بأن تدعو له بوافر الرزق والستر.

مصدر دخل

ولا يجد (سعيد)41 سنة ، اي مانع من ان يستمر في عمله بـ(نبش الحاويات) وتجميع موجوداتها وبيعها في أيام الجمع ، وهو يوم أجازته من ورشة النجارة والخشب التي يعمل بها (مساعد نجار) منذ اربع سنوات.
يقول: كانت بداية عملي تجميع المواد وبيعها عندما كنت في العشرين من عمري وكنت وقتها عاطلا عن العمل ولا اجد قوت يومي ، ففكرت بان أقوم بتجميع العبوات الفارغة من الصفيح وبيعها بالكيلو.لكي لا امد يدي أوأحتاج الأخرين. وقد كانت فكرة جيدة استطعت من خلالها تأمين إحتياجاتي ومتطلباتي الشخصية اليومية ، ومع الوقت اخذت هذه الـ(مهنة) تتطور لدي لتشمل تجميع وبيع مواد اخري مثل النحاس والبلاستيك وعبوات الزجاج الفارغة مثل (زجاجات العطر) ، وقد تحسن مردودي المادي من بيع المواد المتنوعة الى جانب الصفيح .
واضاف: لا اجد صعوبة في بيع المواد التي اقوم بتجميعها من الحاويات ، فلكل مادة صاحبها الذي يحرص على ان أوفرها له يوميا وبسعر متفق عليه بيننا.
واشار "سعيد" الى ان فترة ما بعد الظهر والفترة المسائية هي افضل فترة لـ(نبش الحاويات) ، ففي هذه الفترة تكون الكثير من العائلات انتهت من تنظيف بيوتها وتجهيز طعامها وتخلصت من نفاياتها برميها في الحاويات . ومن جهة اخرى اشار سعيد الى الفرق بين عمله قبل عشر سنوات وعمله الان في تجميع موجودات الحاويات هو فرق كبير ففي الماضي كانت الكميات التي يقوم بتجميعها ومن اكثر من حي وعلى مدار اليوم اقل بكثير من هذه الايام ، والتي اصبح يجد فيها النقود بدل النفايات،، ويستغرب سعيد من بعض المواطنين ممن يشتكون من غلاء الأسعار وتدني الأجور وعدم قدرتهم على التكيف مع الحياة الإقتصادية الصعبة في الوقت الذي يخلفون في نفاياتهم كميات من الطعام واللحوم تكفي لأطعام حي بأكمله. واكد سعيد على ان عمله في "نبش الحاويات" يعتبر الأساسي ، حيث انه يعود عليه بدخل جيد الى جانب عمله في ورشة النجارة والذي يعتبره (عملا غير ثابت). ومن ضمن المواقف الطريفة التي واجهته خلال فترة عمله يقول :في احدى المرات عثرت على "جواز سفر" كان ملفوفا في كيس اسود ، وعندما فتحت الكيس وتعرفت على صاحب الصورة في الجواز ، والذي كنت اعرف مكان بيته وكامل اسرته ذهبت لأعطيه جواز سفره..فطرقت الباب واذا بالشخص صاحب الجواز يستقبلني بفتح الباب ، فأعطيته جواز سفره واخبرته بانني عثرت عليه في الحاوية . أستغرب الرجل واخبرني بانه كان يبحث عنه منذ أيام ولم يعثر عليه.. ليكتشف الزوج في نفس اليوم أن زوجته هي من قامت برميه في (كيس القمامة) للتخلص منه ، وذلك لكي تمنع زوجها من السفر والهجرة الى الخارج.

تعاون

مدير دائرة البيئة والنظافة العامة في أمانة عمان الدكتور محمد العمايرة قال: تعد ظاهرة البحث والعبث في حاويات النظافة من قبل بعض الأطفال أو الكبار لالتقاط ما يمكن بيعه أو الإستفاده منه من المواد والمخلفات الصلبة ، والتي أصبحت ظاهرة سلبية مسيئة للمجتمع التي تسعى الأمانة لمكافحتها ومعالجتها ومنع هؤلاء الأطفال من ممارسة هذا العمل والذي قد يتسبب لهم بأمراض مختلفة ، كما انه يشكل خطرا على صحة وسلامة البيئة ، حيث أن تجمع النفايات وبعثرتها خارج الحاويات التي يتجاوز عددها 15 ألف حاوية في مناطق عمان يشكل بيئة ملائمة لتكاثر الحشرات والقوارض وانتشار الروائح الكريهة ، فضلا عن تشويه المظهر العام والجمالي للمدينة ، حيث أن عمليات الفرز والالتقاط تتم في ساعات الليل أو الصباح الباكر .
واشار الى ان هؤلاء"النباشون" يتسببون في إرباك وتعطيل كادر عمال الوطن للقيام بواجبهم وتعريضهم للإصابة بأمراض مختلفة ، كما يتسببون في تأخيرالوقت اللازم لجمع ونقل النفايات وما ينتج عنه من سليبات على عملية إدارة النفايات الصلبة بالطرق السليمة ، علما أن كلفة نقل وجمع وطمر النفايات تكلف الأمانة ما يزيد عن 30 دينارا للطن الواحد ، فيما تستوفي الأمانة من خلال رخص المهن( رسوم نفايات )6,5 دينار للطن الواحد ، حيث يظهر ذلك مدى الخدمة التي تقدمها الأمانة.
وبموازاة ذلك باشرت الأمانة ومنذ مطلع العام 2007 بفكرة الفرز من المصدر لإعادة التدوير بالتنسيق مع جمعية حماية البيئة ووزارة البيئة وشركات خاصة ، حيث باشرت جمعية حماية البيئة مشروعا بهذا الخصوص ، وهناك مشروع آخر بين الأمانة ووزارة البيئة سيظهر في القريب العاجل ، كما باشرت شركة تدوير استثمارية في مكب الغباوي مشروعا للتدوير حيث سيتم تزويد هذه الشركة بكميات يومية من النفايات من 600200 طن لإعادة تدوير ( البلاستيك ، والورق ، والكرتون ، والألمنيوم ) وهذا من شانه القضاء على هذه الظاهرة وتجفيف منابعها . وللبدء بحلول جذرية يجب على جميع الجهات ذات العلاقة في الموضوع ومنهم أمانة عمان الكبرى ووزارات التنمية الاجتماعية والعمل والبيئة ومديرية الأمن العام ( الشرطة البيئية )التعاون ليتم وضع إستراتيجية وطنية لإيقاف هذه الظاهرة وذلك بتضافر الجهود كاملة وبالتعاون وبالتكاتف والعمل الجماعي ليتسنى لها النجاح مع إيجاد الحلول لهذه الشريحة من المجتمع ، والتي تمارس هذا العمل منذ عدة سنوات . وأهاب مدير دائرة البيئة والنظافة العامة الدكتور محمد العمايرة بالجهات التي تشجع هذه الأعمال للاستفادة من المواد الصلبة والأولية الموجودة في النفايات النظر إلى المصلحة العامة ودعم جهود الأمانة والبلديات في مجال إعادة التدوير ، وعدم استغلال هذه الفئة والإساءة إلى طفولتهم وحاجتهم




عدد المشاهدات : (13883)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :