بعدك ما "زهقتش"


رم - احمد حسن الزعبي

أجد نفسي أحياناً - دون قصد أو تخطيط - اكتب مقالتين من أصل خمس أسبوعيا عن الفساد والفاسدين بشكل مباشر، وباقي المقالات هي عن فسادهم أيضا، لكن بشكل غير مباشر؛ مرة بالتمليح ومرّة بالحدوثة ومرّة بالقصة الرمزية التي تقطر مرارة ؛ اذن المعدّل الشهري لـ"سواليف "الفساد من ثماني إلى عشر مقالات كحدّ أدنى. لو ضربنا هذا الرقم بعدد شهور السنة سيصل الناتج السنوي إلى مئة مقال، وإذا أردنا أن نحصر ما قمت بكتابته طيلة السنوات العشر في "الرأي" فحتماً ستناهز الألف مقال على أقل تقدير..

قد يسال البعض ماذا تغيّر؟!.الفساد صار أكثر جرأة، وأكثر ظهوراً ،وأكثر فجوراً، وأكثر شرعية، وأقوى مناعة ، و"أدنأ نفساً" وأقل حياء..طيب ماذا نفعل؟ هل نتوقّف ؟ أبداً...فما نقوم به فعل مقاوم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، صحيح أن مقاومتنا كمن يواجه الدبابة بحجر..وصحيح أن الحجر لن يحطمّها أو يوقفها أو يفجّرها، لكنه على الأقل يزعج سائقها ويشوّش عل تركيزة علّه يُستفز فينزل منها ..عندئذٍ تصبح المواجهة متكافئة...

في الفرّن، في الكافتيريا، أثناء واجبات العزاء، أو السير في ذيل الجاهات، أكثر سؤال يواجهني : "بعدك ما "زهقتش"؟..

على الفيسبوك و التويتر، في متن التعليقات أسفل المقال ، في الفِراش، على طابور الفواتير،في المقهى، في حمّامات مجمع عمّان الجديدة ،على وقع الخرير المتقطّع في المراحيض ، أتلقى نفس السؤال:"بعدك ما زهقتش"!! ...

فأصر على انه ليس مسموحاً لنا أن نملّ أو "نزهق" ، فإذا ما تثاءبنا قليلاً ، او استرخينا على رصيف المتابعة، سحقتنا الدبابة ومرت فوق جثثنا وأحلامنا، ثم أننا لا نمارس لعبة لتقضية الوقت، أو الاستمتاع حتى "نزهق"، نحن ندافع عن مبدأ وعن حاضر ومستقبل وطن..أعترف أن معركتنا - أو على الأقل معركتي - الوحيدة والمصيرية هي مكافحة الفساد "مفتوح الأقواس"..ليس عندي تحفّظ علي شيء بحجمها ، ولا شيء يزعجني غيرها..ليس لدينا اعتقالات سياسية بالمئات أو الآلاف، وليس من هوايتنا التصفية الجسدية ، ولا التذويب ببراميل الأسيد..وهذا حتماً جيّد...

لكن لدينا "حرامية" و"تجّار سياسة" و"دراكولات" يتغطّون بشرعية خرسانية من القوانين أسمك من سور عكّا...وجودهم في السلطة أو بالقرب منها..يجعلهم يمارسون تذويب الأحلام الوطنية الكبرى بـ"الأسيد" وتشويه ملامحهاَ.

كلما نظرت في عيون أطفالي وفكّرت قليلاً فيما سينتظرهم في الغد القريب بعد أن سرق الفاسدون "عفاريّة" البلد وتراب بيادره ...انتفضت وحملت قبضة من حبر ورميتها على الضمائر "المجنزرة" وكاسحات الأحلام...

___________


خارج النص: في هذه الأثناء دخلت أم العبد بكوب شاي ..نظرت بطرف عينها على المكتوب في المقالة و دون ان ترى العنوان..تنهّدت وقالت : بعدك ما "زهقتش"؟!.



أحمد حسن الزعبي



عدد المشاهدات : (5288)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :