بلديــة الزرقــاء تطـرد فقــراء من مكــب نفاياتهـــا


رم -

رم - محمــــــــد شمـــــــا
 
قامت بلدية الزرقاء مؤخرا بطرد 15 شابا يعملون لمصلحة متعهد يقومون بفرز النفايات في مكب نفاياتها الواقع جنوب شرق الزرقاء بغية بيعها لاحقاً.

ماجد الحباشنة، مدير المناطق في بلدية الزرقاء، قال لعمان نت أنهم في البلدية وجدوا أن المتعهد « يجني أرباحا طائلة تفوق ما يدفعه للبلدية من استحقاق سنوي تصل قيمته إلى 45 ألف دينار بدل دخوله إلى المحطة ويفرز النفايات من معه من عماله ».

المبلغ الذي كان يلتزم المتعهد به « غير كاف » بحسب الحباشنة الذي راقب كادره الإداري عمل المتعهد ووجدوا أنه "يجني أرباحا طائلة تفوق مبلغ الـ45 ألف دينار" وكان من الأجدى أن تستفيد بلدية الزرقاء منها.
 
تقدر مساحة المكب بـ100 دونم، في منطقة تعرف بــــــــ « حي المصانع » قرب جسر الكلية، ويعتبر المكب « محطة تحويلية » ، تكرر فيها النفايات لتحول بعد ذلك إلى « مكب الغباوي » ، وتقدر تكلفة المحطة بحوالي مليون دينار أردني.
 
ويضيف الحباشنة أن « البلدية قامت بهذا الإجراء لتشغيل أكبر عدد ممكن من الشبان لدى البلدية وليعملون لحسابها على فرز النفايات التي تنتشر فيها مواد صلبة من حديد ونحاس وهذه المواد ترفع من القيمة المالية عند تجميعها ».
 
بلدية الزرقاء تنبهت إلى أن المواد الصلبة التي يجمعها المتعهد ترفع القيمة المالية للنفايات، ويقول مدير المحطة التحويلية سمير الزواهرة إن النفايات تشكل مصدرا ماليا هاما للبلدية « فارتأينا أن نطرد المتعهد وعماله ونعين عمالا تابعين للبلدية يتولون مهمة الفرز »...
 
وكانت بلدية الزرقاء دفعت مبلغ 200 ألف دينار للبنية التحتية عند إنشاء للمحطة، فيما كلف الطريق الواصل بين المدينة والمكب إلى 200 ألف دينار أخرى، بمبلغ إجمالي يقدره القائمون على المحطة بمليون دينار أردني.
 
أرض المحطة هدية مقدمة من الجيش لبلدية الزرقاء، «لأن المحطة القديمة تشكل مكرهة صحية كبيرة في المنطقة، والمحطة الجديدة هدفها تلبية الحاجة المتزايدة لضبط مخلفات الاستعمال اليومي»، يوضح يوسف كتانة، مدير العطاءات في بلدية الزرقاء، أن الزرقاء تنتج 300-400 طن نفايات يومياً في الشتاء، وما يزيد على 500 طن يومياً في الصيف. «كانت النفايات ترمى في المكب الواقع ما بين الزرقاء وعمّان، محدثةً مكرهة صحية كبيرة، فضج الناس بالشكوى، ثم إن النفايات كانت تنقل مخلوطةً للمكب، أما الآن فإن هذه المحطة تسمح بفرز النفايات ضمن إمكانيات بسيطة لتنقل إلى مكب الغباوي».
 
حاولنا الوصول إلى الشبان الذين كانوا يعملوا عند المتعهد المطرود لكننا لم نستطع الوصول إلا لواحد فقط، مفضلا عدم رفض ذكر اسمه قال إنه "الأبواب أغلقت بوجهه" وأن المتعهد لم يعطهم استحقاقاتهم المالية الشهر الماضي.
 
هذه «المهنة» تسمى «نبش النفايات»، يدير العمل فيها متعهد يشتري ما يرى أن له قيمة، ليبيعه عبر سماسرة وتجار. بعضهم يجني أرباحاً كبيرة، فيما يقبض الشبان أجورهم، يومياً، أو في آخر الشهر.
 
«أي شيء يطلع معنا نلمه: بلاستيك، ألمنيوم، نحاس. نجمع المواد ونبيعها، من خلال المتعهد الذي يتولى الأمر»، يقول علي أحد الشبان العاملين كان يأخذ يومياً أجرة تصل إلى 8 دنانير كنا قد قابلناه سابقا.
  
نبش النفايات، ليست مهنة عادية أو مقتصرة على الشبان الخمسة عشر، إذ أصبحت ساحة خصبة تستقطب رجالاً يتاجرون بأكوام النفايات، حيث يتم طرح عطاء وينظَّم مزاد علني، الفائز به يجيّش شباناً متعطلين عن العمل لجمع النفايات وفرز الصلب منها ووضعها في أكياس.
 
وكان المتعهد يلتزم بضمان سنوي يصل إلى 45 ألف دينار يدفعها لإدارة المكب لتسمح له بالنبش، إضافة إلى رواتب للشبان. وتباع المواد الصلبة لتجار يقومون بدورهم ببيعها لآخرين يعيدون تدويرها مرة أخرى للاستعمال.
 
«تطرح البلدية، وبشكل سنوي، عطاء فرز النفايات أمام المتعهدين والشركات الراغبة بقيمة مالية تتجاوز 300 ألف دينار، آخذين في الحسبان أن تكلفة نقل الطن الواحد من النفايات تساوي 365 قرشاً»، يقول الزواهرة.
 
من أدوات العمل في هذه المهنة، «آلة نبش»، وهي عصا حديدية حادة الأطراف، تستخدم لنبش الأكياس وللبحث عن الخردوات. يعمل الشاب فترة طويلة نسبياً، ثم يأخذ قسطاً من الراحة، ويغتسل بماء خزان مياه، ويتناول شيئاً من الطعام، هو ما جمعته أمه أو ما عثر عليه من معلبات بين أكوام النفايات، ثم يجلس تحت مظلة خيش برتقالية اللون مهترئة - يبدو أنها كانت من بين النفايات- ليستأنف العمل بعد ذلك حتى ساعة متأخرة من الليل. هذا برنامج العمل اليومي.
 
في لقاءات سابقة مع النابشين، تحدث بعضهم عن ظروف عمله الشاقة في المحطة؛ منهم محمد عدوي وعبود اللذين سلط الضوء على سيرتهم في العمل، يقول محمد:  «هناك براكّية صغيرة أبيت فيها». نوم محمد في المكبّ هدفها «حراسة البضاعة، واختصار معاناة المواصلات».
 
الطريق إلى المكب غير سهلة، فلا تصلها مواصلات النقل العام، وهي تعتمد على تنقلات ذاتية، ومحمد، القاطن في الرصيفة، يجد إقامته في المكب «مريحة». يقول: «نحتاج إلى ثلاثة عمال. إذا كنتم تعرفون شباناً متعطلين عن العمل ولا يقرفون من الزبالة فليأتوا».
 
عبود، 19 عاما، عمل خبازاً لسنتين، لم يجد في الخبز قوتاً له. «أجني من النفايات دنانير ما كنت أحلم بها يوماً». لا يفصح عبود للآخرين عن طبيعة عمله، مكتفياً بالقول: «تاجر خردة». إذ يقطن مع عدد من الشبان العاملين معه في الرصيفة المتاخمة للزرقاء والبعيدة عن المكب «حوالي ساعة إلا ربع». يقول: «نتفق مع باص صغير يأتي بنا للمكب يومياً».
 
محمد، يقول متباهيا إنه من أكثر الشباب جمعا للمال، «ألحق مبلغ 400 دينار شهرياً، وهذا المبلغ بحياتي لم أحلم بأن أحصل عليه، فالجامعيون في الرصيفة متعطلون عن العمل، وأقول لهم دوما تعالوا معي إلى المكب وارموا شهادتكم الجامعية».
 
حكاية سعيد، 20 عاماً، تشبه، إلى حد كبير، حكايات شبان آخرين، لكنه يتميز بكونه المتعلم الوحيد بينهم. درس سعيد الفندقة في كلية مهنية بالزرقاء لسنة واحدة. «ماذا أفعل، لا عمل، لا مال، لا طعام، وأهلي يموتون جوعاً، والشهادة لم تقدم لي شيئاً، رغم أنني حاولت مراراً أن أعمل بها، لكني وجدت في النفايات مهنة أفضل»، يتحدث سعيد بسخرية.
 
في السابق، كان المتعهد يدفع نحو 15 ألف دينار سنوياً قيمةَ تعهده للمكب. الآن تغيرت الحال. «النفايات مصدر مهم للرزق، وهو ما دلّ السماسرة والتجار علينا، فباتوا يزاحموننا على لقمة العيش ويهددون مستقبلاً بقطع رزقنا». يقول سعيد بنبرة السخرية نفسها: «الأغنياء يزاحموننا نحن الفقراء على النفايات».
 
جمال عدوي، متعهد (35 عاماً)، يقول: «قبل أن تسألونا عن العمل في القمامة، سأقول لكم إن العمل فيها مربح للشبان، وأفضل لهم ألف مرة من العمل في مصنع أو أي مهنة أخرى، ففي تلك المهن لا يزيد راتب الشاب على 100 دينار بينما هنا يزيد عن 300 دينار».
 
عاطلون عن العمل، هذا هو حال الشباب حاليا بعدما وجدت البلدية أن الأنسب لها هو طردهم وإحلال عمالها بدلا منهم ليقعوا ضحية مرتين؛ الأولى بلدية تخرجهم دون سابق إنذار، والثانية من متعهد جردهم من حقوقهم في العمل.

المصــــــــدر : « عمــــــــان نــــــت »




عدد المشاهدات : (20022)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :