شيء عن اوسيتيا الجنوبية


منذ سنوات والاوضاع على حدود اوسيتيا الجنوبية وجورجيا تتأزم مع كل خطوة يتخذها أحد الاطراف لفرض موقفه على الوضع المعقد في هذه المنطقة التي باتت مسرحا للفوضى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال جورجيا بدون إقليمي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية والاطراف هنا أكثر خمسة جورجيا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واخيرا اوسيتيا الجنوبية نفسها ،وقد ظلت روسيا ولا زالت تعتبر اوسيتيا الجنوبية جمهورية ملحقة بها ولكنها بنفس الوقت تركت هذا الإقليم ورقة تفاوض مع الغرب الذي يقيم علاقات استراتيجية عسكرية وسياسية مع جورجيا ويدعمها في مطالبها بضم الإقليمين المتنازع عليهما ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الى الوطن الذي كان موحدا قبل ضم جورجيا نفسها الى الاتحاد السوفيتي اواسط القرن الماضي ،وظلت روسيا تتعامل مع ملف اوسيتيا وابخازيا على انهما نقطة ضعف غربية لمواجهة دعم الغرب لإنفصال إقليم كوسوفو عن صربيا الحليفة لموسكو ،وقد شهدت المفاوضات بين الطرفين الرئيسيين روسيا والولايات المتحدة مقايضات سياسية محدودة على هذا الصعيد كان الهدف منها تعطيل استقلال كوسوفو في مقابل الهدوء في اوسيتيا ومنح جورجيا الفرصة لمأسسة تبعيتها للغرب وخاصة لواشنطن التي تقيم قواعد عسكرية على أراضي جورجيا ،غير ان الدعم الغربي ألهم جورجيا وشجعها على المغامرة بمواجهة روسيا عسكريا للمرة الثانية على جبهات القتال التي لا تبعد عن عاصمة اوسيتيا الجنوبية مدينة تسخنفالي سوى بضع مئات من الامتار لتخرج من المعركة خاسرة في المرتين ، وما تحرش جورجيا هذه المرة ومغامرتها بدخول عاصمة اوسيتيا الجنوبية إلا جزء من الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة ،أما العاصمة البائسة تسخنفالي فلا تزال تعيش العهد السوفيتي بكامل تفاصيله من تبعية كاملة لموسكو ومظاهر الحياة التي تعكس تخلفا حقيقيا سببه غياب المشاريع التنموية عن هذه المنطقة، وتجاهل متطلبات الحياة العصرية لسكانها لان المنطقة في نهاية المطاف متنازع عليها ولا أحد من المتنافسين يريد ان يصرف عليها المال قبل تقرير مصيرها السياسي .

لقد قدر لي قبل اقل من سنتين ان ازور إقليم اوسيتيا الجنوبية بصفة مراقب دولي للانتخابات الرئاسية التي جرت هناك ،ولقد حظيت بفرصة لقاء مفصل مع الرئيس المنتخب للمرة الثانية ادوارد كوكيتي والمدعوم من موسكو ولكن ليس لأكثر من مجرد إبقائه زعيما مواليا لا يملك قرار السلام والحرب في بلاده، فهو بالاصل جورجي شانه شأن غالبية سكان الإقليم ولكنه غير مخول باتخاذ قرار الإنضمام إلى جورجيا ويصر على ان شعب اوسيتيا يرغب في البقاء تحت الحكم الروسي، ومع ذلك لم تكف الجمهورية الصغيرة عن التهديد بإعلان الاستقلال الكامل ولكنها حتى ذلك الحين لم تكن تضمن إعتراف روسيا بها فكيف ببقية العالم ..، أما ما حدث في اوسيتيا الجنوبية مؤخرا فحصيلة مناوشات سياسية روسية أميركية سببها تهديدات حلف الناتو بنشر درع صاروخية في بولندا ثم توسعة الحلف ليصل إلى خاصرة روسيا في الغرب الأمر الذي تعاملت معه روسيا على انه تهديد مباشر لأمنها وبدأت منذ ذلك الحين برنامجا موسعا للرد على تهديدات الحلف وزحفه السريع نحو الشرق وصولا إلى حدودها الغربية، وقد اختارت موسكو حزمة إجراءات استفزازية للولايات المتحدة كرد آخر على دعم واشنطن لإنفصال إقليم كوسوفو ،ومن هذه الإجراءات دعم إيران سياسيا في مواجهة حملة الغرب عليها لمنعها من بناء برنامجها النووي ،ثم تحريض كل من الصين وتركيا ودول ثانوية اخرى لإنشاء محور اقتصادي سياسي، ولكن موسكو لم تهمل ابدا ورقة اوسيتيا الجنوبية باعتبارها ملفا مفتوحا على اكثر من إحتمال ومن هذه الاحتمالات تنازل روسيا عن دعمها لإنفصال الإقليم والموافقة على ضمه لجورجيا ولكن ليس بدون ثمن ،واليوم وعلى اثر زيادة التوتر أصلا في علاقات روسيا مع جورجا بما تمثله من تهديد غربي لمصالح روسيا في إقليم القفقاز ككل، وتنطح جورجيا لتمثيل مصالح الولايات المتحدة ؟كما تفهمه موسكو ؟ فإن احتمالات نشوء او تجدد النزاع المسلح كان قائما أصلا في منطقة القفقاز الجنوبي، والاجتياحات المتبادلة كانت ولا زالت خيارا ممكنا في اي وقت ما دامت العلاقات الامريكية الروسية تسير نحو منافسة تنبئ بحرب باردة من طراز جديد ستدفع ثمنها دول صغيرة وأقاليم سكانية تائهة إلى الآن وتبحث عن هويتها .




عدد المشاهدات : (1703)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :