زنغــو .. ورنغــو


اصيب احد افراد قبيلة من اكلة لحوم البشر بالصداع مع تقيؤ شديد ، وقد عاينه ساحر القبيلة.. وبعد الفحص السريري والمخبري قال له :- ان سبب صداعك وغثيانك ، انك تأكل الكثير من المثقفين هذه الايام، وفي رواية اخرى فقد كان يلتهم السياسيين ، اما مندوبنا لشؤون القبائل فقد اكد لنا بأن الرجل المصدوع كان يلتهم المثقفين والسياسيين معا ، مدعيا بان اشارة وصلته من آلهة القبيلة تدعوه الى تخليص العالم من الشرور والمصائب والفساد.قالها احد مساعدي المرحوم هتلر - ربما كان غوبلز الافصح - اذ صرح ذات قرن بأنه يتحسس مسدسه كلما سمع كلمة ثقافة.. كانت النازية - حسب معلوماتي المتناقصة كالكرامة العربية - احدى الحالات النادرة في تاريخ البشرية التي يتناقض فيها السياسي مع المثقف - بشكل نسبي طبعا - ويا ليت هذا التناقض قد تكرر،، المثقف والكاتب الفرنسي الكبير اناتول فرانس قال: - انا لست مفتقرا الى اية مهارة ، حتى اشتغل في السياسة.الفيلسوف الاغريقي ارسطو فانيس كان يؤكد بان رجال السياسة هم قرود الشعب.. والله اعلم بالصواب، عدا ذلك فان المثقف ينمو ويترعرع في حضن السياسي الدافىء ، رغم ان السياسي الناجح يشبه الزئبق في خواصه ، اذ انه ينزلق بسهولة وكلما حاولت ان تضع يدك عليه « او اصبعك فيه » فلا تجد شيئا..، هذا التواطؤ المعلن بين المثقف والسياسي انتج طبقة - بل طبقات - من باعة الكلام وتجار الشعارات واساتذة الـ جلاجلا ...

مشكلتنا في العالم الناطق بالعربية اننا ابتلينا بسياسيين هم انصاف ساسة ، وبمثقفين هم انصاف مثقفين.. لكن كل واحد منهم يعتقد جازما ان الصهيونية هي التي تقف حائلا بينه وبين الحصول على جائزة نوبل حتى الان ...

« وعاظ السلاطين » اسم اطلقه المفكر الكبير الدكتور علي الوردي على المثقفين الذين باعوا انفسهم للسلطان منذ تحول الاسلام الى دولة مترامية الاطراف.. وتحولوا هم الى اجهزة لتزوير النص وتحوير الحديث « واختراعه احيانا » من اجل تبرير افعال الحكام.. بهذا تم تكريس الزواج غير المقدس بين السياسي والمثقف العربي والمسلم.. هذا الزواج ما يزال مستمرا حتى الان ويجدد نذوره باستمرار ، لكن بفارق واحد ، هو انه صار للمعارضة ايضا سلاطينها ووعاظها ، تماما كما للحكومات سلاطينها ووعاظها الجدد.جولة سريعة بالريموت كونترول المنزلي على الفضائيات العربية ، سوف لن تجد سوى سياسي يكذب ومثقف يبرر ويخترع المصوغات الفكرية لاكاذيب السياسي - ما غيره - تلك الاكاذيب التي لا يصدقها حتى هو شخصيا « هو المثقف وهو السياسي » ...

حاول ان تتابع حوارا او سجالا او ندوة حتى ، وسوف تخرج منها اقل فهما وادراكا للموضوع عما كنت عليه قبل الاستماع ، لا بل انك سوف تفقد حتى آلية التمييز بين الاشياء ، وتضيع « طاستك » وبوصلتك ، وتصير مجرد تائه في دول التيه.

المزعج ، هو ان آكل لحوم البشر الذي تركناه يعاني من الصداع والتقيؤ في اول المقال لن يقدر على ازدراد بوصة واحدة من لحم السياسي العربي او لحم واعظ الحالم العربي.. لان جلودهم اقسى من جلود التماسيح ، ولحومهم اقسى من لحوم التماسيح ، ودموعهم اغزر من دموع التماسيح ...

[email protected]




عدد المشاهدات : (1770)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :