الخبــــز مقابــــل الأمـــــن


« التهدئة » هي الحدث الأبرز منذ توقف العدوان على غزة ، والمفاوضات السياسية والأمنية غير المباشرة بين حماس وإسرائيل بكل تفاصيلها بين مد وجزر ، والفلسطينيون في غزة ينتظرون التهدئة لأن من حقهم أن يعيشوا حياة طبيعية ، لكن الطرف الإسرائيلي ليس معنيا كثيرا بالتهدئة لأن حسابات الأمن بعد الحرب والانتخابات اختلفت وربما لدى بعض قادة الاحتلال رأي مثل ليفني يعتقد أن الثمن للتهدئة يجب أن يقل بعد الحرب.

وأيا كانت تلك التقديرات، فمن الضروري في زحمة التفاصيل أن لا تغيب عنا الصورة الكلية للقضية الفلسطينية ، والمشهد يقول إن التفاوض غير المباشر بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية ليس على قضايا فلسطينية كبرى ولا علاقة له بالدولة أو اللاجئين أو الانسحاب بل هو تفاوض على المعابر أي على ما تسمح إسرائيل بدخوله من بضائع ومواد الى غزة، والتفاوض يمتد طويلا حول هل تسمح إسرائيل بإدخال الحديد أم لا، إنه أشبه بالبروتوكول التجاري لكن الثمن الذي يطلبه كيان الاحتلال مختلف إنه وقف المقاومة خلال مدة التهدئة، ويطلب أن تكون السلطة في غزة هي التي تحمي هذه التهدئة وتمنع أي فلسطيني من خرق التهدئة وممارسة أي فعل مقاوم وجزء من الرقابة على المعابر لمنع تهريب الأسلحة الى غزة.

والأمر ليس وليد هذه المرحلة لكنه محصلة عقود من المسار المتراجع لإدارة هذه القضية والأمر ليس خاصا بوجود حماس ، بل بإدارة شاملة أوصلت الأمور إلى حد أصبح فيه سقف المطالب خدماتيا ، المحتل يقطف ثمار عشرات السنين اليوم فيمارس بكل احتراف وإجرام تحويلا لقضية ذات أبعاد كبيرة الى قضية تفصيلية ولهذا يريد أن يصل الهم إلى كيف يتم فتح المعابر ، وأن يكون ما يشغل من يحكم الفلسطينيين سواء فتح أو حماس هو تأمين الطحين والزيت والغاز ، ويمارس تضخيما لبعض القضايا لتصبح ثمنا لأشياء كبرى ولهذا يمارس تقنينا لإدخال وقود محطات توليد الكهرباء ، التي تتوقف جزئيا ثم يعود لضخ كمية قليلة والقصد أن تتحول قضية تشغيل محطة الكهرباء الى قضية كبرى على حساب مفاصل القضية الأم التي تتوه منا جميعا.

وعندما نتحدث عن نجاح للكيان الصهيوني عبر عقود الصراع فإنه في صناعة أولويات جديدة وقضايا غير القضايا الأصلية ، ويمارس استثمارا لهذا بمقايضة القضايا الطارئة بقضايا كبرى لهذا فمحور التهدئة وقف المقاومة مقابل فتح المعابر ، وهذا ما كان في التهدئة السابقة التي لم يلتزم الطرف الإسرائيلي بما عليه ولم يفتح المعابر وكان يريد صناعة قضية جديدة بين العرب والفلسطينيين هي معبر رفح، ونجح في هذا، وعندما انتهت التهدئة عاد الى الحرب والعدوان وعندما أنهى ما يريد عاد للتفاوض على تهدئة جديدة عنوانها إدخال المواد الحياتية والطعام والدواء مقابل وقف المقاومة ، وحتى هذا مارس فيه مماطلة وطالب بإطلاق سراح الجندي الأسير شاليط كشرط إضافي لفتح المعابر.

إسرائيل لا تريد التهدئة لأن الحرب ماتزال على أجندتها ، لكن علينا جميعا أن نتوقف عند الخسارة المتراكمة والتي جعلت عدونا يصنع لنا سقفا منخفضا للمطالب هو إدخال الطعام والدواء الى شعب غزة مقابل وقف المقاومة ، ويحصل على اتفاق دون أن يعترف بسلطة غزة ، ويرى أمامه جزءا آخر من الصورة الفلسطينية في رام الله يفاوض سنوات دون كلل أو ملل ومن دون نتائج ، وإذا ما كان هناك نتائج فهي الإفراج عن معتقلين يصر الصهاينة أن يعلن أنهم من فتح حتى يعزز الافتراق والخلاف ، أو يكون الثمن إزالة بعض الحواجز عن الطرقات ليعود لوضعها بعد أيام.

الصورة الشاملة أكثر مأساوية من المشاهد الجزئية ، والأمر ليس مسؤولية حماس أو فتح لكنه محصلة عقود طويلة من إدارة سلبية لهذا الصراع ، وربما يأتي يوم يكون التفاوض حتى على عدد أكياس الطحين مقابل ثمن كبير وعندها سيصبح الوضع اليوم عظيما ، وهذا متوقع ما دامت إدارة الصراع بذات النهج وما دام الحال الفلسطيني يزداد بؤسا.

[email protected]




عدد المشاهدات : (1512)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :