إشتراكيّـــة أميركيّــــة مستحدثـــة


ثمة مفارقات يعجز العقل عن تصديقها اذ هل يصدق احد بان تطالب صحف كبرى وخبراء بمزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد ؟ واين .. في الولايات المتحدة؟ هل هي نزعة اشتراكية كامنة في قلب القلعة الليبرالية واقتصاد السوق؟ المتابع للتفاصيل التي رافقت اقرار خطة الرئيس الاميركي باراك اوباما يلمس مدى الصعوبة التي مرت بها الخطة داخل اروقة الكونجرس، كما ان مرورها من بين اروقة الكابيتول هل لا يعني انها اضحت خطة وطنية مجمعاً عليها فهي بانتظار محاكمة اعلامية عسيرة ايضا ولعل بداياتها بدأت قبل ان يجري اقرارها.

الخطة تنتظر امتحانا عسيرا في اروقة الصحافة المتخصصة حيث بدأت وتيرة التخوفات الصحافية ترتفع قبل ان يوقع الرئيس على خطة التحفير فقد كتب المحلل الاقتصادي مارتن وولف مقالاً نشرته صحيفة فايننشال تايمز تحت عنوان لماذا ستفشل خطة أوباما الجديدة لإنقاذ الأصول المتعثرة في البنوك، قال فيه إن الخطة الجديدة لا تكون معقولة إلا إذا كانت المشكلة الأساسية هي عدم توفر السيولة، ، مع حصر الحقن المالية الجديدة بأقل من الـ350 مليار دولار المتبقية من مخصصات خطة إنقاذ الأصول المتعثرة، وهذا التحرك لا يمكنه أن يعالج مشكلة الإعسار.

ويرى الكاتب، ان برنامج شراء أو ضمان الأصول الهالكة لن يكون طريقة فعالة او مجدية او منصفة لإنقاذ المؤسسات المالية التي تعاني من نقص في رأس المال ويعزو ذلك الى ان الحكومة الفدرالية لابد أن تشتري كميات ضخمة من الأصول المشكوك فيها بأسعار زائدة أو توفر لها ضمانات أكثر من سخية، كي تشفي البنوك المعسرة من إعسارها.

كما ان الخطة تتضمن خطوات يراها الكاتب غير مجدية لأن الحقن المالية الضخمة أو تحويل الديون إلى أسهم تعد طرقاً أفضل لإنعاش مالية البنوك؛ كما انها غير منصفة لأن الإعانات المالية الضخمة ستذهب إلى مؤسسات فاشلة.

ويوصي الكاتب بان على الإدارة الأمريكية القيام باحتذاء النموذج الياباني في معالجة ازمتهم الاقتصادية في التسعينات والقائمة على الاعتراف بالواقع وإعادة هيكلة البنوك والتخلص من المؤسسات الفاشلة دفعة واحدة.

وحذر الكاتب الرئيس اوباما من دعم البنوك القائمة رغم فشلها معتبرا ان الحكمة تقتضي إنشاء بنوك جيدة جديدة وترك البنوك السيئة القديمة تلاقي مصيرها.

وتعتمد خطة اوباما للتحفيز على انقاذ القطاع المصرفي الا ان خبراء حذروا من ان الاموال يمكن ان تذهب الى غير الوجهة المحددة لها ففي حين يرى واضعو الخطة ان الاموال التي ستضخ في القطاع المصرفي ستكون ذات تأثير كبير على الاستقرار في الملاءة المالية للبنوك مما يحفزها على الإقراض لكن الخبراء الذين يعارضون الخطة يرون ان هذه الاموال يمكن ان تذهب الى جيوب مالكي البنوك الكبيرة بما يؤهلهم إلى شراء البنوك المتعثرة دون ان ينعكس ذلك على مستوى الاقراض على النقيض مما تستهدفه الخطة.

ويسلط الخبراء الضوء الان بعد اقرار الخطة على كيفية تعاطي مدراء كبرى البنوك الاميركية مع الازمة خصوصا وان معظم بنود الخطة تستهدف انقاذ القطاع المصرفي حيث واجه مديرو البنوك انتقادا واسعا من قبل اعضاء كلا الحزبين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس النواب الأميركي، بشأن كيفية استخدام مبلغ 176 مليار دولار من أموال خطة الإنقاذ دون أن يظهر أي أثر ملموس في الاقتصاد.

ووصف عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين في الصحف الاميركية الصادرة هذا الاسبوع بعض أهم البنوك بأنها كالذي يمشي وهو ميت، وأكدوا أن هذه البنوك قد تحتاج لمزيد من الدعم للحيلولة دون إفلاسها كما اكد هؤلاء الخبراء لنيويورك تايمز أن تقييما متزنا لقائمة الخسائر التي لحقت بالبنوك الأميركية بسبب الديون الهالكة -حسب القيمة السوقية الحالية- من شأنه أن يسحق قيمة أصول هذه البنوك، ويجعلها مفلسة.

وركز الخبراء الذين استطلعتهم النيويورك تايمز على التحذير من أن عدم معالجة مشكلة الأصول الهالكة سيعني أن الأزمة المالية التي تنخر جسم الاقتصاد ستطول ما دامت البنوك عاجزة عن استعادة الاقراض الذي يعتبر ضروريا لإعادة تشغيل عجلات الاقتصاد وان الحل في نظر هؤلاء يكمن في دور حكومي أوسع وأكثر مباشرة مما كشفت عنه خطة وزارة الخزينة الأميركية التي أقرها الكونجرس قبل ايام.

المطالبة بمزيد من التدخل الحكومي في القطاع المصرفي تعني ان يد ادم سميث ربما كسرت ولم تعد تقوى على خلق التوازن المطلوب وهذه اليد اضحت بين ليلة وضحاها مجرد فكرة ايديولوجية تتنافى والحقائق العلمية الجديدة التي ولدت على ايقاع الازمة الحالية، الا يدعو الامر الى التأمل؟ احد كبار الخبراء الاقتصاديين الاردنيين والذي يدير الان احدى كبريات الشركات الخليجية قال في جلسة خاصة في عمان قبل اقل من شهرين انه لا يستطيع الدفاع عن اقتصاد السوق كما كان يفعل في السابق فهو وان يعترف بانه لا يزال يؤمن بكف يد الدولة عن التدخل في الاقتصاد الا انه اصبح اكثر حذرا وهو يتحدث بهذه المقولة وسبب ذلك كما قال: اننا نعبر منطقة جديدة وعلينا ان ننتظر ماذا سيجري في الولايات المتحدة قبل ان نتحدث بوثوقية عن اقتصاد السوق ودور الدولة فيه.

هاهي الولايات المتحدة تتجه الى مزيد من التدخل الحكومي في اكثر القطاعات الاقتصادية تعقيدا وهو القطاع المصرفي وها هم مديرو البنوك يواجهون ازمة ثقة بادائهم خصوصا وان الاموال التي خصصت لانقاذ مؤسساتها يجري تمويلها من جيوب دافعي الضرائب بمعنى اننا نشهد تحطيما غير ممنهج لاكثر المقولات الاقتصادية تماسكا لكن احدا في العالم لا يستطيع التنبؤ بالنتائج على المدى المتوسط، لكننا نحن الاشتراكيين السابقين نبقى ننظر بقليل من التشفي الى المشهد ونحلم بعودة مظفرة للقطاع العام وهو امر بالمناسبة لا ينبئ سوى بالعجز ليس الا.

[email protected]




عدد المشاهدات : (1852)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :