صــــورة وخـــــبر


نشرت امس صورة لفتى في العقد الثاني من عمره، وجدت جثته في (حفرة) بالصويفية، سقط فيها وتوفي ولم يتم التعرف على هويته.. لانه اصلا لم يكن يملك هوية.. كل ما وجد معه هو (75) قرشاً فقط.

الصورة ازعجتني كان من الممكن ان يقوم الطبيب الشرعي بمسح الدم الذي سال من فمه وكان من الممكن ان يقوم احدهم بتسريح شعره ولو قليلا.. فالميت أحياناً يحتاج لاطلالة جميلة، لكنهم للاسف التقطوا الصورة وما زالت آثار دماء النزف الداخلي تخرج من فمه.

قيل في الإعلان أن يرتدي بنطال (جينز) وقميصاً ملوناً.. أنا أصلاً فتحت أوراق الصحيفة كي ابحث في الاعلانات عن محل اثاث.. اريد شراء (طقم كنبايات) ولكن صورته جعلتني اشتري الحزن اشتريت طقما من الحزن، وباعني اياه هذا الفتى (بالدين) ولم يأخذ مني فلساً واحداً.

اتدري ايها الفتى.. ان للموت فنّاً وطقساً ومهابة، وانا اعتذر منك على طريقة التعريف بكيفية الوفاة الاصل ان لا يذكروا جملة (السقوط في الحفرة) ان يقولوا مات.. وكفى فحين نختم الحياة، لا نحتاج لذكر الاسباب المهم اننا ختمناها.

للعلم في الصورة يظهر شعرُ الفتى.. يبدو انه اشقر وجميل، ومن ضمن ما ظهر بين خصلات شعره بعض من الحصى .. حتى الحصى لم يزيلوه.

سقط في الحفرة.. ومات وحيداً دون صوت أو حتى صدى، هل أطلق صرخات استنجاد؟... لا اظن ذلك فلقد ارتطم رأسه في جدار الحفرة ومضى الى الموت مسرعاً.. يا ترى كيف كانت دقائقه الاخيرة، لا اعرف؟... ولكنني اظن انه تبسّم للحياة وادرك ان الخطى لن تحمله مجدداً في شوارع الصويفية وان الـ(75) قرشا الموجودة في جيبه لم يعد لها داعٍ.. ولهذا اغمض الجفنين وسلم الروح لخالقها.. وترك ليل عمان الطويل للاحياء.

في مصر قد يكون اعلان قبل هذا الاعلان عادياً بحكم انها بلد تحمل على ارضها (80) مليوناً وفي اميركا قد تنتشل الجثث من الشوارع.

وما ذنبه.. هو لم يزل طفلاً في الرابعة عشر او الثالثة عشر لم تزل الحياة امامه.. لماذا مات؟.

المشكلة اني وجدت صورته اسفل الصفحة وفي الاعلى خبر عن تمكين المرأة، وخبر عن ندوة تطلعات الواقع الزراعي، وخبر عن تكريم المعلمات.. وآخر عن استخدام الخلوي للتسلية.. ومن ثم خبر عن سقوط فتى في حفرة وموته..

كان من الممكن ان نمكنه من عدم السقوط وان نلبي تطلعاته وان نكرم انسانيته.. ومن حقه ان يملك هاتفاً نقالاً.. اصلاً لو كان يملك واحداً ربما استطاع ان يستنجد بأحد اصدقائه..

[email protected]




عدد المشاهدات : (1332)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :