عندمــا يُخلـط الحـابــل بالنـابـل


الفوضى في التصريحات والمواقف لا تقل خطورة عن الفوضى على الارض ، فخلط « الحابل بالنابل » هو حال الوضع الفلسطيني الراهن. ويبدو ان الحاكمين في رام الله فقدوا البوصلة بحيث لم يعودوا يفرقون بين « وهم المفاوضات » وبين « السلام المطلوب فلسطينيا » . أما الذين في الحكومة المقالة فلا يزالون يعتقدون بقدرتهم على الجمع بين كراسي الحكومة وخنادق المقاومة في حالة احتلال وحصار.

فبينما كانت البشائر تخرج من القاهرة على مشاهد لقاء المصالحة بين الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية ، قرأت تصريحا لـ « ابو مازن » يشترط فيه لنجاح الحوار مع حماس قبول الاخيرة بحل الدولتين ، اي الاعتراف باسرائـيل ، عندها ايقنت بان الابواب المغلقة امام المصالحة ستظل كذلك الى وقت طويل. فما الذي يدفع بالرئـيس الفلسطيني ليضع شروطا امام طريق المصالحة هي بالاساس شروط اسرائـيل على الفلسطينيين ، ولماذا يخلط بين متطلبات الوحدة الوطنية لشعبه وبين متطلبات العملية التفاوضية مع عدوه!

منذ ظهور اصطلاح « الوحدة الوطنية » في القاموس السياسي العالمي فسرت بانها وحدة الشعب بجميع فئاته ضد عدو خارجي ، ومبعث الحيرة ان يستخدم ابو مازن شرط الاعتراف بالعدو في اطار معادلة الوحدة الوطنية لشعبه الواقع تحت الاحتلال!

من الواضح الجلي ان السلطة الوطنية في رام الله تنزلق اكثر واكثر في حالة استسلام لشروط ما يسمى بالمجتمع الدولي ، الولايات المتحدة ، الاتحاد الاوروبي ، اللجنة الرباعية ، التي تربط المساعدات المالية للفلسطينيين بضرورة اعترافهم باسرائيل. وتحت قسوة هذه الشروط وتجاهلها للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت احتلال استيطاني اقصائي تمت التضحية بالوحدة الوطنية ، بما قاد اولا الى نزع الحماية عن الحكومة التي شُكلت بعد انتخابات ديمقراطية ، وصولا الى الانقسام الكبير بين الضفة والقطاع.

وكان على السلطة ، التي يفترض انها تمثل منظمة التحرير الفلسطينية ، ان لا تتخلى تحت جميع الظروف عن مناخات الوحدة الوطنية ، وان تواجه بجسد واحد محاولات تقويض نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، وكان افضل لها ولمصلحة الشعب الاستراتيجية ان تواجه الشروط السياسية للجنة الرباعية بجميع اجنحة السلطة دفاعا عن خيار الشعب الفلسطيني وحفاظا على وحدته.

وهذا ليس استنتاجا او تحليلا ، انما قراءة لنتيجة مرحلة تبنت فيها السلطة شروط الرباعية على حساب الوحدة الوطنية ، فكان ان وصلت المفاوضات الى لا شيء فيما ازدهر الاستيطان والمصادرة والتهويد في الضفة والقدس ، بينما عاش القطاع حصارا دائما انتهى بمجزرة مروعة.

كنا نتوقع ان يكون انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الاسرائـيلية كافٍ لكل ذي بصيرة ، لكي يدرك بان وجود مقاومة فلسطينية ووجود تيارات مثل حماس والجهاد ترفض الاعتراف باسرائـيل هي قوة للمفاوض الفلسطيني وليس العكس. فالاعتراف يجب ان يقترن بارتفاع العلم الفلسطيني فوق القدس واسوارها كعاصمة للدولة المستقلة لا ان يتحول الى شهادة حسن سلوك مجانية تقدم للدول المانحة التي لم ترفع حاجزا في الضفة ، ولا منعت استيطانا ولا اوقفت مجزرة ضد مليون ونصف مليون فلسطيني.

من دون اجتراح حل عبقري للوحدة الوطنية تتعايش فيه المقاومة مع حكومة السلطة ، لبنان مثالا ، وعلى شروط النضال الوطني وليس شروط الرباعية ، فان اتفاق مكة سيتكرر وجرائم اسرائـيل تتصاعد.

[email protected]




عدد المشاهدات : (2154)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :