الحـوار والمصـالحـة الفلسطينيـة


دللت اجتماعات الحوار الفلسطيني في القاهرة يوم 25/2/2009 بين مختلف الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية، على وجود الرغبة والقرار والمصلحة في عقد الحوار بين الأطراف المشاركة والبدء به وإنجاح جولته الإفتتاحية الأولى، بعد أن تعذر عقده مرتين، الأولى قبل نهاية العام الماضي في شهر تشرين الثاني / نوفمبر، والمرة الثانية مع بداية العام الجاري يوم 13/2/2009 بعد توقف الإجتياح الإسرائيلي في 17/1/2009 وإنسحاب قوات الإحتلال من قطاع غزة. انعقاد الجولة الأولى من الحوار ونجاحها يعكس القرار السياسي لدى الأطراف المشاركة، فمثلاً يعكس موافقة مرجعياتها السياسية أو الحزبية أو العربية أو الإسلامية، مثلما يعكس وصول طرفي الخلاف والصراع إلى طريق مسدود، وثبت لكليهما، غياب القدرة على الإستقرار بالوضع الفلسطيني، فلا موازين القوى الداخلية على الأرض تسمح بالتسلط أو الهيمنة أو الإستفراد، مثلما لا تسمح الأوضاع العربية والإسلامية والدولية، لأحدهما في إدارة الوضع الفلسطيني بمعزل عن الآخر، وكلاهما فشل في إثبات أحقيته في امتلاك الشرعية بمعزل عن الآخر.

حركة حماس، من جهتها سعت من خلال امتلاكها للأغلبية البرلمانية، ومن خلال استفرادها بقطاع غزة بعد الإنقلاب، ودعم حركة الإخوان المسلمين لها وخاصة بعد الإنقلاب وبعد معركة الفرقان، وانحياز كل من سوريا وإيران وقطر لها وعقد مؤتمر الدوحة لصالحها، سعت من خلال هذا كله لتكون البديل الفلسطيني عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن السلطة الوطنية وحكومتها في رام الله، ولكنها أخفقت في ذلك، وعجزت عن تحقيق برنامجها كبديل للإئتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير، وخلصت إلى نتيجة أن لا طريق لها سوى الوصول إلى طاولة الحوار والتفاهم مع حركة فتح، وأن لا مبادرة مفتوحة أمامها سوى المبادرة المصرية القائمة على ثلاثة محاور متصلة هي الوحدة الوطنية والتهدئة وتبادل الأسرى.

وحركة فتح، رغم امتلاكها لشرعية التاريخ ورئاسة المؤسسة ونيلها الإعتراف العربي والدولي، ورغم فشل مؤتمر الدوحة ونجاح مؤتمر أبو ظبي لوزراء الخارجية العرب المكرس لدعم أبو مازن ومظمة التحرير وحكومة سلام فياض، ونجاح جولات أبو مازن الأوروبية والإسناد الأميركي المعلن له، إلا أن حركة فتح رغم كل هذه المعطيات، أخفقت في الحفاظ على شرعية إنجازاتها ومميزات دورها، وهي تجني ثمار هزائمها في الإنتخابات البلدية 2005 والبرلمانية 2006 وأمام الإنقلاب 2007 وفقدانها بوصلة إدارة الصراع في مواجهة الإحتلال وخاصة في معركة الرصاص المصهور، وفي كيفية إدارة الصراع الداخلي مع حركة حماس، وترددها في عقد مؤتمرها العام السادس، وعدم حسمها في عقد المجلس الوطني الفلسطيني لتجديد شرعية قيادتها وضخ دماء جديدة في شرايين مؤسساتها الحزبية وشرايين المؤسسات الفلسطينية: اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وغيرهما، ولذلك وصلت إلى استخلاص مفاده أن حركة فتح غير قادرة على إدارة الصراع بأبعاده المختلفة، سواء الداخلي منه أو في مواجهة الإحتلال، بمعزل عن تأثير حركة حماس أو في مواجهتها أو منافستها.

حصيلة عدم مقدرة الطرفين: فتح وحماس، على حسم الصراع لصالح أحدهما، أدى إلى نجاح اللقاء الإفتتاحي الأول، واستجابتهما للمبادرة المصرية التي نزلت إلى مستوى الحفاظ على إيجاد نوع من التوازن بينهما، وإن لم يكن اللقاء الأول وتفاصيله خالياً من مظاهر الصراع المكشوف، الذي سيشتد في جولاته المقبلة على طاولة الحوار ولدى التفاوض على العناوين المدرجة على جدول الأعمال عندما تلتئم اللجان المشكلة والمنبثقة عن الهيئة العامة لممثلي الفصائل والقوى والفعاليات المشاركة في مؤتمر الحوار الفلسطيني. لقد برز الصراع واضحاً لدى الإقتراب من قضيتين هامتين هما،

أوّلاً : دور ومكانة منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني حيث رفضت حماس هذه الصيغة، فتم تسويتها بصيغة توفيقية.

ثـــانيـّـاً : لدى الحديث من قبل لجنة الصياغة عن تحديد موعد الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، فتم تمريرها بدون تحديد موعدها وجعلها مفتوحة وفق القانون وأن لا تكون ملزمة مع نهاية ولاية المجلس التشريعي يوم 24/1/2010. حركة فتح في اللقاء وخلال الحوار الثنائي وقعت في أخطاء تكتيكية يمكن أن تكون مدمرة إذا واصلت خياراتها في التوصل إلى اتفاقيات مع حركة حماس قبل تفاهمها مع حلفائها من الفصائل، فقد توصلت فتح إلى ورقة مشتركة مع حماس من خلف ظهر باقي الفصائل ولم يعلن عنها إلا في الإجتماع الجماعي، وقد حملت هذه الورقة تنازلات مجانية لصالح حركة حماس، خلت من صيغة الإصرار والإقرار بمكانة وموقع منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقبلت المساومة على صيغة توفيقية، وتمرير صيغة الإنتخابات الرئاسية والتشريعية بدون تحديد موعد لإجراء هذه الإنتخابات كاستحقاق دستوري ووطني وشرعي وبدون إقرارها على أساس قانون التمثيل النسبي. لقد حظيت القضايا الخلافية بين فتح وحماس باهتمام وتأييد المشاركين وانحيازهم لموقف حركة فتح في الإجتماع الموسع حتى من قبل الفصائل المحتالفة مع حركة حماس، فقد إنبرى طلال ناجي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، مدافعاً عن مكانة منظمة التحرير وحقها التمثيلي الوحيد والمشروع للشعب الفلسطيني، وخلافه العلني مع موقف حركة حماس المناهض لمنظمة التحرير، مما يدلل على أهمية التعامل مع الفصائل الأخرى كشركاء في النقاش والحوار وليس كشهود مقبولين لنتائج ما تتوصل إليه فتح مع حماس في جلسات ثنائية من خلف ظهر الفصائل الأخرى كما حصل في مؤتمر مكة والإتفاق الثنائي الذي تم التوصل إليه في 8/2/2007. يجب على فصائل المقاومة أن لا تقبل وهي لن تقبل تلقي النتائج على علاتها، تحت حجة إنجاح الحوار وعدم عرقلته، لأنه بذلك سيكون حواراً تعسفياً ووحدة إلزامية غير مقنعة. في جلسات الحوار المقبلة بين المشاركين في اللجان سيبرز الصراع بين ثلاثة أطراف :-

أوّلاً : ستعمل حركة فتح جاهدة من أجل الحفاظ على المكاسب والإمتيازات التي حققتها لنفسها خلال الأربعين سنة الماضية، باعتبارها العمود الفقري للإئتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير باعتبارها الجبهة الوطنية العريضة، غير مدركة التغيير الذي طرأ على موازين القوى الداخلية الذي أدى إلى صعود موقع وقوة حركة حماس وتراجع موقع ومكانة حركة فتح وفشلها في لملمة صفوفها وتوحيد مؤسساتها الحزبية الداخلية، وكذلك عدم نجاحها في صياغة علاقات جبهوية على قاعدة الشراكة والقواسم المشتركة مع الفصائل الأخرى، ولذلك ستعمل حركة فتح على الخروج من الحوار وصولاً إلى الوحدة بصيغ سياسية وتنظيمية تحمل أقل الخسائر لمكانتها القيادية في مؤسستي منظمة التحرير والسلطة الوطنية.

ثـــانيـّـاً : حركة حماس ستعمل على توظيف الأوراق التي بحوزتها من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب لتكون الشريك القوي أو الأقوى في المنظمة وفي السلطة، اعتماداً على نتائج

1 ـ الإنتخابات البلدية،

2 ـ الإنتخابات التشريعية،

3 ـ الإنقلاب واستفرادها بقطاع غزة،

4 ـ صمودها في وجه الإجتياح الإسرائيلي،

5 ـ دعم حركة الإخوان المسلمين العالمية العابرة للحدود لها،

6 ـ دعم وإسناد سوريا وإيران وقطر لها.

حركة حماس تملك أوراقاً ضاغطاً لتحقيق مكاسب، ولكنها أسيرة لأوراق منفرة وعوامل محبطة يقف في طليعتها الإنقلاب العسكري الدموي الذي نفذته وسيطرتها الإنفرادية المغلقة على قطاع غزة بمعزل عن الفصائل الأخرى حتى تلك الحليفة لها، كما أن خلفيتها ومرجعيتها حركة الإخوان المسلمين أقوى حركة سياسية عربية تقود المعارضة في كل من مصر والأردن وسوريا واليمن والكويت وتشارك في الحكم في ثلاثة بلدان عربية هي السودان والجزائر والعراق، يشكل عامل قلق ليس فقط لأطراف النظام العربي بل وللقوى السياسية العربية اليسارية والقومية والليبرالية، لأنها لا تؤمن بالتعددية ولا تحترم الآخر، وتجربتها في حكم غزة لا يشجع على التعامل والتحالف معها والوثوق بها.

ثالثاً: ستعمل الفصائل الآخرى اليسارية والقومية كي تكون شريكاً بين الطرفين المتصارعين، ولن تقبل بالفتات المتبقية من حصيلة ما ستتركه لهم اتفاقات أو تفاهمات حركتي فتح وحماس، ولذلك ستسعى للمطالبة بتحسين شروط التحالف الوطني والصيغ الجبهوية وتوسيع قواعد الشراكة سواء داخل منظمة التحرير أو داخل السلطة الوطنية، وستتمسك بقوة بقانون التمثيل النسبي الذي يضمن النجاح والتمثيل لكل طرف حسب حجمه وتحصيله من صناديق الإقتراع، إضافة إلى أنه سيضمن وحدة أهل القدس والضفة والقطاع سواء في عمليتي الترشيح أو التصويت.

 لقد رفضت الفصائل الأخرى الإقتراحات المقدمة من فتح وحماس أو من الجانب المصري سواء حول تمثيل فتح وحماس بثلاثة أشخاص لكل منهما في كل لجنة بينما يقتصر تمثيل كل فصيل بشخص واحد فقط، وهو امتياز للفصيلين تم رفضه من كافة الأطراف المشاركة وكذلك تم رفض الإقتراح المصري أن تقتصر مشاركة الفصائل بلجان معينة ولا تشمل كل اللجان، وهذا يدلل على أن الفصائل الأخرى تتمسك بدورها وشراكتها على عدم المساواة، خاصة وأن النتائج لن يتم إقرارها على قاعدة التصويت بالأغلبية والأقلية بل سيتم ذلك على قاعدة الإتفاق والتفاهم والقواسم المشتركة. ثلاثة عناوين رئيسية تفرض نفسها على مسار التفاوض والحوار الفلسطيني وهي:

أوّلاً : البرنامج السياسي المشترك بين الأطراف الثلاثة.

ثـــانيـّـاً : وحدة مؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية.

ثــالثــاً : الأدوات الكفاحية وأشكال ممارستها، سواء الكفاح المسلح أو الإنتفاضة الجماهيرية أو المفاوضات، من أجل إنهاء الإحتلال ونيل الحرية والإستقلال. ثلاثة عناوين يدور الصراع على مضامينها وكيفية التعبير عنها، فهل تنجح الفصائل في التوصل إلى القواسم المشتركة فيما بينها، أم أن الحوار الثنائي بين فتح وحماس سيؤدي إلى صفقة بينهما على حساب الفصائل الأخرى؟؟ الوضع الفلسطيني بعد نجاح الحوار وفشل الإنقلاب وسياسة الإستفراد، يقف على مفترق طرق، وعلى ضوء نتائج هذا الحوار والسياسات التي ستتبع والتحالفات التي ستعقد ستكون النتائج، فهل يفلح الإئتلاف الوطني في إدارة الصراع وفي التوصل إلى الوحدة مع حركة حماس أم أن المصالح الحزبية الضيقة ستؤدي إلى نجاح حماس باختطاف التاريخ والتراث والمؤسسة كما فعلت في إنتخابات التشريعي وفي الإنقلاب؟

[email protected]




عدد المشاهدات : (2004)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :